للحقيقة والتاريخ هكذا كنا نحتفل بالسنة الميلادية الجديدة…مصطفى عطية
دأبنا، نحن أبناء الجيل الذي ولد في معترك بناء الدولة الحديثة، وٱضطرام المبادرات التنويرية، وبروز إسم تونس في المحافل الدولية كواحة للحياد والسلم والتحرر الإجتماعي، على الإحتفال بالسنة الميلادية الجديدة، دون وعاظ يفتون في جوازه و بطلانه، وأئمة يخطبون في المساجد محذرين ومنددين ومكفرين، و إعلام يتوجس من كلمة “الميلادية” فيغيرها ب”الإدارية”. لم يكن سائقو سيارات الأجرة “علماء دين”، كما أصبحوا اليوم، ينافسون القرضاوي في ترهيب المحتفلين بهذا العيد ويتوعدونهم بالويل والثبور، بل كانوا يتسابقون في تأمين وصولنا إلى النزل السياحية والملاهي والمطاعم، وبشاركوننا سعادتنا الطفولية، ولم يكن باعة الخضر والبقول في حينا بجدون الجرأة لترك دكاكينهم والتحول إلى ميليشيا نهي عن المنكر، بل كانوا يصرون على البقاء حتى الساعات المتأخرة من الليل لتمكيننا من شراء ما غفلنا عن شرائه في النهار من مواد الإحتفال التكميلية.
كان آباؤنا وأمهاتنا مبتهجين لبهجتنا، فيدعون لنا في صلواتهم بدوام السعادة وراحة البال، فهم يدركون جيدا، بحكم عمق إيمانهم بالقيم الحقيقية للإسلام ونبل رسالته الكونية، ان النبي عيسى مبعوث الله، والإحتفال بميلاده هو تعميق للإيمان بالله وأنبيائه أجمعين، فحتى أساتذتنا الذين درسونا تاريخ الحروب الصليبية كانوا يدعوننا إلى التفريق بين جوهر الديانة المسيحية، كديانة سماوية يعترف بها ديننا الإسلامي الحنيف، وممارسات بعض أتباعها والمتاجرين بها سابقا ولاحقا.
كنا نحتفل بالسنة الميلادية الجديدة دون ضغوط، ودون موانع، ودون مواعظ مخادعة. كنا تحتفل بالغناء والطرب والرقص والطيبات، نحتفل بروح التسامح وعمق الإنسانية وتلاقي الأديان والحضارات، كنا نحتفل بما في الإحتفال من بهجة وسعادة. كنا مسلمين ومازلنا مسلمين، أما هؤلاء الذين جاؤوا مبشرين “بثقافة جديدة”، كما قال مرشدهم، فلا هم منا ولا نحن منهم، فإسلامنا قيم ومبادئ ومآثر إنسانية، و”دينهم” إرهاب وإفساد وغنائم وتكفير وتجارة.
كل سنة ميلادية والإنسانية بخير، وما نحن إلا جزء لا يتجزأ من الإنسانية.