ما حدث في الملعب… والحدود الفاصلة بين الرياضة والقضية….اشرف المذيوب
لم تكن مباراة فلسطين وسوريا مجرد 90 دقيقة من كرة القدم. كانت شرارة تحرك موجة واسعة من ردود الفعل في تونس، بين غضب مشروع لما جرى على أرض الميدان، وبين محاولات انتهازية لجرّ التونسيين إلى خصومة مع شعب لم يخذلهم يومًا.
وسط هذا الضجيج، تظل الحقيقة واضحة لمن يريد رؤيتها: ما حدث يظل واقعة رياضية لا تمس جوهر القضية الفلسطينية، ولا تغيّر من علاقة شعبين جمعتهما الأخوّة قبل السياسة، وقبل النتائج.
حين يخطئ البعض… ولا يُحاسب شعب بأكمله
انتشرت بعض العبارات المسيئة المنسوبة إلى فئة من الجماهير الفلسطينية. نعم، كانت كلمات مستفزة، لكنها لا تمثل شعبًا تحت النار، يعيش التهجير ولا يملك ترف النقاشات الافتراضية.
الفلسطيني الذي يعرفه التونسي ليس من يهتف ساعة غضب في مباراة، بل فلسطين المخيمات، فلسطين المقاومة، فلسطين التي حفظت موقف تونس كما يُحفظ الوفاء في القلب.
التاريخ يشهد: تونس لم تغلق بابها أمام الفلسطيني، فلماذا نغلق نحن قلوبنا أمام خطأ عابر لا يعبر عن أمة بأكملها؟
بين النقد الرياضي ومحاولات النفخ في الفتنة
التونسي اليوم أذكى من أن يُساق إلى معارك وهمية. يعرف التمييز بين:
سلوك رياضي خاطئ يستحق النقد
علاقة تاريخية لا تهزها مباراة ولا جمهور
وفي المقابل، ظهر من حاول إشعال النار: من استغل الحدث لتبرير التطبيع، ومن أراد ضرب صورة فلسطين في وجدان التونسي، ومن وجد في الواقعة ذريعة لخطاب حقد مبرمج.
لكن هؤلاء اصطدموا بوعي الشارع التونسي. فالذاكرة الجماعية لا تُشترى، والعلاقة مع فلسطين ليست لحظة عابرة، بل مسار ممتد عبر عقود من التضامن والمواقف الشريفة.
علاقة لا تزعزعها 90 دقيقة
منذ عقود، كانت تونس حيث يجب أن تكون… احتضنت المقاومة، دفعت ثمنًا سياسيًا لموقفها، ووقفت عندما اختار آخرون الصمت.
والفلسطيني الحقيقي يعرف هذا، يعرفه كما يعرف وجه أمه، كما يعرف معنى أن تجد وطنًا بعيدًا يفتح لك ذراعيه.
تحويل حادثة رياضية إلى خصومة بين شعبين ليس إلا وهمًا يصنعه ضعاف النفوس، وهم ينهار أمام أول استدعاء للذاكرة.
الخلاصة… رسالة إلى من يحاولون خلط الأوراق
نعم، ما حدث في الميدان لم يكن أخلاقيًا، ونعم، بعض الكلمات كانت جارحة وغير مقبولة.
لكن… القضية الفلسطينية أكبر من مباراة، أعمق من هتاف، وأسمى من كل محاولات التحريض.
تونس — شعبًا قبل دولة — ستظل تعتبر فلسطين قضية مبدئية لا ترتبط بحدث رياضي ولا بمزاج لحظي.
أما من يبحث عن فتنة أو يريد استغلال ما جرى لتمرير أجندات معروفة، فهو لا يمثل إلا نفسه.
الرياضة تبقى رياضة، والفلسطيني يبقى في قلب التونسي… قبل أي مكان آخر.




