مثل هذا اليوم 29 جانفي 1952: جيش الإحتلال الفرنسي يرتكب مجزرة مريعة بتازركة.
إستفاق أهالي تازركة كعادتهم لمزاولة أشغالهم الفلاحية صبيحة يوم التاسع والعشرين من شهر جانفي فوجدوا بلدتهم محاصرة من قبل جنود الإحتلال بأسلحتهم وهم في الأثناء يقتلون كل الكلاب التي كانت تحرس الدور والمواشي. ثم عمدوا الى جمع كل الرجال في بطحاء أطلِق عليها فيما بعد “بطحاء الشهداء” وطوّقوهم بأسلحتهم.
وفي حدود الثامنة صباحا اغتالوا المسمى مصطفى البوصاع المسعدي، وجلبوه مضرّجا بدمائه ووضعوه وسط البطحاء ليكون عبرة لبقية المواطنين.
وإمعانًا في التنكيل بسكان تازركة، قاموا بخلع الأبواب ومداهمة المنازل والدكاكين، فأتلفوا كل المؤن من حبوب وزيوت وتوابل وغيرها ونهبوا حلي النساء وكل غالٍ ونفيس.
ولقد مثّلت مجزرة تازركة، شاهدا على حجم وحشية الجيش الفرنسي. إذ يذكر أحد وجوه الحزب الحرّ الدستوري زمن الاستقلال وهو أحمد بن محمد بن امبارك بن نصير المشهور باسم أحمد التّليسي، وذلك لدى شهادته قبل سنوات في مؤسسة التميمي، أن وشايات من تونسيين (خونة) للفرنسيين أشارت إلى أنه “إذا رغبت فرنسا في تصفية الوطن القبلي فعليها بمدينة تازركة”، وهو ما تمّ فعلًا. وقد قاد العملية العسكرية الجنرال “غرباي” سيء السمعة وهو الذي أشرف على المجازر الفرنسية في مدغشقر سنة 1947 التي خلفت الآلاف من القتلى.
وقد كشف المقاوم حمادي غرس في شهادة له سنة 2016، أن الفرنسيين وبمشاركة تونسيين خونة حينما توجّهوا لتازركة في 29 جانفي 1952، قاموا بإخراج الرجال من بيوتهم وتجميعهم في بطحاء تحت الحراسة المشددة، ثم عاد الجنود إلى البيوت ليقوموا بهتك الأعراض وسلب حلي النساء، كما قاموا بقتل الرضع. وتحدث غرس عن قتل أي رجل كان يحاول وقتها إنقاذ نساء بيته اللاتي كنّ يصرخن وذلك في مشهد مريع.
وقد اتفقت جميع التقارير ومراسلو الصحف الأجنبية على توثيق عدة حالات قتل للرضع واغتصاب للنساء من بينها : “الرضيعة فضيلة.ق عمرها سنة وستة أشهر ألقاها جندي على الأرض وفرت أمها على السطوح فلحق بها محاولا إغتصابها، وعندما عادت الى بيتها وجدت ابنتها ميتة”
وفي تقرير آخر : “الرضيع صالح.ن وعمره لا يتجاوز 40 يوما داسه أحد الجنود بالأقدام عندما أبت أمه الإستسلام وهو يحاول اغتصابها…”
بلغت أصداء المجازر الفرنسية في الوطن القبلي خارج تونس من هول الجرائم الحاصلة، حيث تكوّنت لجنة تحقيق دولية من الكنفدرالية النقابية الدولية، السيزل وقتها، كما تضمّنت الشكاية التونسية ضد فرنسا لدى مجلس الأمن في نيويورك سنة 1952 والتي قدمها صالح بن يوسف رفقة محمد بدرة، صورًا من هذه المجزرة التي ظلّت للأسف اليوم مغيّبة عن الأجيال الجديدة.