
محلاها أيام زمان…فاخر الفخفاخ
محلاها أيام زمان…….كنا بالعائلة ،بالحومة،بالسوق وفي البادية متناغمين .العائلة كانت متناسقة ،متلازمة فيها قانون عائلي وفيها تسلسل في المسؤوليات. كان الإحترام أساس كل عائلة وكانت أسس التربية للصغار ذات نواميس وفيها أدب مع الإيمان وحب العمل للنجاح ولتبرير الوجود.كنا نعيش على قيم فقدت اليوم وكان الأخ يعيل أخاه إذا احتاج وكانت الأخت الكبرى تلعب دور الأم الثانية لكل أخواتها.لم يكن هناك تلفاز ولا فايسبوك ولا هموم سوق النخاسة الأخلاقية.كنا نعول على أنفسنا في القوت ،في العمل وفي التعليم .كنا نكتفي بغلال الحديقة وبخضارها ولا نشتري شيأ من السوق كل شيء من إنتاج العائلة وبمجهودها .لم نكن نلاحظ الفرق بين الغني والفقير حيث كان اللباس المدرسي موحد ،وهو ما فقد اليوم،لم تكن ترى الغني يتبجح بماله بل كان التواضع هو القيمة الحسنة وفعل الخير كان الوازع الذي يتبارك به أعيان البلد ولذلك أنشئت الخيرية.كانت الثقافة ،رغم أن المجتمع محافظ،متطورة فتجد جمعيات للموسيقى،للتمثيل،للرسم وغيرهم كان الكتاب مهيمن على المثقفين
وكانت الإذاعة منارة الثقافة وهي التي تظم القامات في كل الميادين وفي كل المجالات .لم نكن مسيسن حيث كنت وأنا صغيرا أسمع أبي وأخوالي وعموماتي وكبار الرجال يتحدثون عن تونس والفلاحة والتجارة ولا يهتمون بكندي وديغول وكان همهم مصلحة تونس قبل كل شيء وهم من قاسى من ويلات الإستعمار.كانت الوطنية شعور وانتماء مع الإفتخار بها وكنا نسمع أبآنا وهم يتحدثون عن فلسطين وكيف افتكت من أصحابها الأصليين .كانت الحياة رونق فيها تآزر وتكاتف وفيها عائلة تمثل نواة المجتمع والدولة ولذلك كان ولا يزال دور الأسرة محوري في الحي،في السوق ،في المدرسة وفي المدينة كلها وفي البادية حيث كان أهل البادية أهل الكرم وأهل الهمم.مازلت أتذكر عمي العجمي رحمه الله وهو نائب ابي الأمين على أرزاقنا وضيعاتنا.
أتذكر أمي فضة وهي التي تعتني بالغنم وتحضر لنا السمن واللبن والزبادي.كنت أحب الضيعة وركوب الحمير والخيل وكنت أقضي يومي بين منطقتي الغيب والنيب والجمال بأولاد عمر .إنها أيام لاتنسى لبساطة العيش وعدم التكلف.
إنها أيام البساطة التي فقدناها فأصبحنا نلهث وراء المادة وكأنها كل شيء في الحياة.