مسرحية (م) جرّد موظّف كلنا مرضى؟ وكلنا محتاجون لكتابة مذكراتنا…منيرة البجاوي
ماذا لو أقنعتني ” مسرحية جرّد” موظف بأن أكتب مذكراتي ذات يوم !
ماذا لو دفع بي هذا العمل المسرحي الانساني المرهف لرفع الحصانة عن مذكراتي التي بدأت فعلا في كتابتها !
أفكار خطيرة راودتني بعد انتهائي من مشاهدة العمل المسرحي الجديد الذي قدّمه مركز الفنون الدرامية والركحية بصفاقس يوم 16 أكتوبر 2024 على ركح المسرح البلدي بصفاقس بمناسبة افتتاح الموسم الثقافي 2024/2025 بالجهة.
مسرحية “جرد موظف”، نص مقتبس عن “يوميات مجنون” للكاتب الروسي العالمي نيكولا قوقول، من إخراج الأستاذ حاتم الحشيشة، تمثيل عمر بن سلطانة، حنان عبيد ومحمد نجم الدين بلغيث انتاج مؤسسة “أوبيرا” للإنتاج الفنّي.
بكثير من الجهد الفكري والبدني للفنان المسرحي الكبير “عمر بن سلطانة” تأخذك المسرحية الى دوامة تستهدف الموظّف كذات بشرية في علاقتها بالمحيط العام الخارجي وبمحيطها المهني المتشعب المتشبّع بغطرسة وتسلط مرؤوسيه في العمل في كينونة تواجده المنغلق الخاضع المستكين من جهة المنتفض المتأمل الطواق للحرية والتحرر من جهة أخرى.
صراعات ومشاهد رسمت شخصية متذبذبة بين واقع مغمور تشوبه شبهات الفساد والمحسوبية والانتهازية وبين مستقبل طموح للصلح والإصلاح والتغيير وما بين العالمين تضيع الشخصية في اهتزازات نفسية عميقة فهو الضحية والبطل المغمور في آن.
ان القراءة النفسية للمسرحية من حيث بناء المشاهد والنص تخطف منك فرصة القراءة المتأنية الفنية وهو مجال للمختصين بطبيعة الحال فتتعمد أخذك الى قراءة وجدانية انسانية رُسمت من خلال مشاهد عصف نفسي عميق يصل حد الهذيان لا يعالجه النص الا بموت الضحية واستسلامه أخيرا للنهاية الحتمية.
انها رؤية انسانية من منظور موظف بسيط متأرجح لكنها رؤية فلسفية للأبعاد الوجودية لعلاقة الانسان بالآخر وبذاته .
لماذا يتعمد “حاتم الحشيشة” وفريق عمله دائما أن يحرجنا في مرآة انسانيتنا فيكون الأثر موجعا حمّالا للمعنى …ذلك هو مسرح الانسان العبثي والبناء الناقد والغيور.
لعلنا مازالنا في حاجة للمسرح للمكاشفة ولبناء الذات الفردية و الذات الجماعية … بل إننا في أمس الحاجة للمسرح ليقنعنا بذواتنا ويفتح لنا فرصا لإعادة التفكير من جديد في هذا الإنسان.
منيرة البجاوي