مصطفى عطية …نعم أنا من الزمن الجميل لم يكن لنا المرزوقي رئيسا ولا الغنوشي رئيسا للبرلمان ولا بوشلاكة وزيرا للخارجية
إلى حفيدي هاروننعم يا عزيزي…. جدك مصطفى من الزمن الجميل :- لم أقف في الطوابير لشراء الخبز والسكر والحليب والزيت والقهوة والأرز وطحين القمح، أو لٱستخراج مضمون ولادة من بلدية، الإنترنات فيها صورية لا تشتغل في أغلب الأحيان،
وإنما وقفت في طوابير الدخول المنظم إلى القسم في المدرسة والمعهد، وطوابير الدخول إلى المسارح وقاعات السنما، وطوابير التسجيل في مكاتب العمل التطوعي.- لم أكن أنعم بحرية مطلقة في الكتابة والتعبير، وإنما كنت أجد سعادة بالغة في الكفاح، كتابة وتعبيرا، لٱنتزاع الضروري من الحرية التي أحتاجها.
– لم أنعم بالديمقراطية المنزلة تنزيلا من الخارج، او التي يتكتل فيها الذين لا يعلمون ضد الذين يعلمون، وإنما لم يسرق مني أحد حلمي بديمقراطية نابعة من إرادتنا.
– لم يكن لنا منصف المرزوقي رئيسا ولا راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان ولا رفيق بوشلاكة وزيرا للخارجية، وإنما كان لنا بورقيبة رئيسا والهادي نويرة وزيرا أول والصادق المقدم رئيسا للبرلمان ومحمد المصمودي وزيرا للخارجية.
– لم يكن لنا وزيرا للتربية أحادي اللغة، وإن نطق الفرنسية صدفة أضحك علينا العالم أجمع، وإنما كان لنا وزراء تربية من طينة محمود المسعدي وإدريس قيقة وأحمد بن صالح، الذين يلاعبون اللغتين العربية والفرنسية بمهارات التوحيدي والمتنبي وفولتار وروسو.
– لم يكن لنا معارضة تستجدي التدخل الأجنبي، وتستنجد بسفراء الدول الإمبريالية، وإنما كانت لنا معارضة وطنية تنافس السلطة في حماية سيادتنا الوطنية يقودها أحمد المستيري وحسيب بن عمار ومحمد بلحاج عمر.
– لم تكن وسائل النقل متوفرة بالشكل الكافي، وإنما كنت أعود إلى منزلي على القدمين في آخر الليل مطمئن البال يغمرني الشعور بالأمن والأمان.- لم يكن المعلمون والأساتذة الذين درسوني في كل مراحل التعليم مثاليين، وإنما كنت أحترمهم وأهابهم وأقدر جهودهم وأعترف لهم بالجميل.
– لم أكن قادرا، مثل كل أترابي، على تطوير مؤهلاتي التعليمية بالدروس الخصوصية مدفوعة الثمن، وإنما كان معلمونا وأساتذتنا يؤمنون لنا تلك الدروس مجانا.
– لم يكن العيش سهلا، وإنما كانت الضروريات والكماليات متوفرة بكثرة وبأسعار زهيدة.- لم نكن في بحبوحة من العيش الرغيد، وإنما كنا نعمل بجد وإخلاص لنوفر لأنفسنا وعائلاتنا الحد الأدنى من مستلزمات الشعور بالسعادة.- لم تكن العدالة والمساواة متوفرتين بين الأفراد والمجموعات والجهات، وإنما لا وجود لمساع رسمية لتعميم الفقر وإثارة النعرات الجهوية والطبقية.- لم تكن المضامين التي تقدمها وسائل الإعلام راقية ومفيدة للجميع، وإنما لم تنزل أبدا إلى منحدرات الإسفاف والإبتذال والإنحطاط الأخلاقي.
– لم تكن لنا تعددية حزبية بالمعنى المتعارف عليه، وإنما كانت لنا معارك فكرية وإيديولوجية وسياسية طاحنة، لم تتجاوز أبدا المسموح به من الصدامات “المشروعة” أخلاقيا وقانونيا.
– لم يكن لنا مجتمع مدني بآلاف الجمعيات المشبوهة والمرتبطة، فكريا وماليا، بالخارج، وإنما كانت لنا جمعيات ونواد واتحادات وطنية لا تقبل ابدا المس من حرمة الوطن وسيادته وأمنه.- لم بكن لنا وكر القرضاوي ومدرسة الرقاب، وإنما كانت لنا جامعة الزيتونة وفكرها التنويري.
– لم تكن لنا هايكا ولجنة مقاومة الفساد وهيئة حقيقة وكرامة و هيئة مستقلة للإنتخابات ومجموعات دفاع عن الأقليات ومقاومة التعذيب والتجارة بالبشر، وإنما كانت لنا دولة قوية.
– لم نكن بدون ازمات مالية واقتصادية واجتماعية حادة، وإنما لم نسع إلى الإقتراض الدولي لتسديد العجز في ميزانيات الدولة.
– لم تكن لنا وسائل تواصل إجتماعي لمغازلة صديقاتنا على الخاص، وإنما كنا تكتب لهن، بخط جميل، رسائل حب، ننثر على صفحاتها قطرات من عطر الياسمين الذي تعده امهاتنا في المنزل.- لم نكن نرتدي الزي الأفغاني أو النقاب والعباءات السوداء للتعبير عن تديننا، بل كنا نحفظ القرآن ونؤدي ما تيسر من العبادات ونحرص على ان لا نؤذي بعضنا البعض، عملا بالقول المأثور ” المسلم من سلم الناس من يده ولساته”.
– لم نكن ملائكة، وإنما عندما نشاهد،اليوم، الشياطين يدعون العفة والطهورية الكاذبتين، نشعر بأننا كنا أقرب إلى الملائكة منا إلى الشياطين!
مصطفى عطية



