مقررة أممية : ما يحدث في غزة إبادة جماعية…..لبنى حمودة
إن ما يحدث في غزة الآن لم يعد قضية عدوان أو حرب على القطاع, بل سابقة في تاريخ الإجرام, جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان وأحد شهودها المجتمع الدولي ,القضية لم تعد قضية عدوان أو حرب على القطاع بل القضية أصبحت قضية انتهاك لحقوق الإنسان وامتهان لكرامته ,مع بداية العدوان على غزة ذكرتنا همجية الترسانة الإسرائيلية بأيام أرييل شارون ومجازر قبية ,وجنين, وصبرا وشتيلا,ولكن مع دخول الحرب الشهر السادس جزمنا قطعا بأن بنيامين نتنياهو تفوق في دمويته على أستاذه أرييل شارون.
بداية الحرب على غزة وشبح.. شارون
“جميعنا يجب أن يتحرك أن يركض, يجب أن نستولي على المزيد من التلال,يجب أن نوسع بقعة الأرض التي نعيش عليها,فكل ما بين أيدينا لنا, ما ليس بأيدينا يصبح لهم”,مقولة شهيرة لأرئييل شارون السياسي العسكري الإسرائيلي الذي عرف بشدة عنفه ودمويته والذي شارك في كل الحروب التي دارت رحاها بين إسرائيل والعرب منذ 1948,لقب بمهندس عمليات القتل الجماعي والطرد والاستيطان,تاريخه حافلا بالدم ,بالطرد, بالاستيطان,بالاغتيالات, بالقتل,حتى أنه لقب كذلك بالسفاح وبجنرال المجازر,فقد ارتبط اسمه بعديد المجازر كمجزرة قبية, مجزرة كفر قاسم , مجزرة قلقيلية ,مجزرة جنين , مجزرة صبرا وشتيلا, والقائمة تطول,قال عنه المحلل السياسي الإسرائيلي يارون عزراحي “إن هذا السياسي الإسرائيلي بسجل حافل ومثير للجدل, يؤمن باستخدام إسرائيل المطلق للقوة كوسيلة لتحقيق أهدافها”منذ توليه رئاسة الحكومة أمر الجيش باستخدام الرصاص الحي والمطاطي والمعدني الذي له قدرة على اختراق عظام الضحايا بكفاءة غير مسبوقة ,ورخص لهم إطلاق النار على الرأس والصدر لإيقاع أكبر عدد من المشوهين والشهداء خلال تفريق التحركات الشعبية ,مع بداية العدوان على غزة عادت بنا الذاكرة لتاريخ شارون وما فعله بالفلسطينيين وبالتحديد إلى مجزرة قبية التي بدأت أحداثها بعد مقتل امرأة وطفليها في مستوطنة يهودية في12 أكتوبر 1953 أمرحينها رئيس الحكومة دافيد بن غريون الجيش ب”تدمير وإلحاق أكبر قدر من الضرر بهدف دفع السكان على الفرار من منازلهم “عملية انتقامية ذهب ضحيتها 67 فلسطينيا معظمهم من النساء والأطفال تم قصف المدينة بمدافع الهاون مع استخدام الألغام والقنابل كما تم نسف 56 منزلا بالإضافة إلى مسجد ومدرستين.
نتنياهو” خطير ومغامر”
مع بداية القصف على غزة بدا لنا نتنياهو نسخة مصغرة عن شارون ,ولا غرابة في ذلك أن يتأثر التلميذ بأستاذه,بعد توليه رئاسة الحكومة سنة 1996 قام بتعيين أرئييل شارون وزير البنية التحتية والبناء والإسكان وقد نفذ الأخير مخططات لتوسيع المستوطنات اليهودية بالأراضي الفلسطينية,ثم عين بعد ذلك وزير للخارجية في الحكومة نفسها , وحين تولى أرييل شارون رئاسة الحكومة ما بين 2001 و 2006 قام بتعيين نتنياهو وزيرا للخارجية ثم وزيرا للمالية , لكن الاتفاق والتوافق بين نتنياهووشارون سرعان ما تحول إلى عداوة بمجرد أن أعلن شارون في سبتمبر 2005 خطة الانسحاب من قطاع غزة فقدم نتنياهو استقالته احتجاجا على فك الارتباط مع القطاع , خطوة لم ترق لشارون الذي وصفه بالخطير والمغامر والهيستيري في جلسة مغلقة مع مقربيه وقد نقلت صحيفة يديعوت احرنوت قوله :” من المحظور إيداع السلطة في إسرائيل بأيدي بنيامين نتنياهو هذا الشخص خطير ومغامر وأكمل حديثه واصفا إياه بالهيستيري, وكان رأي أستاذه فيه صائبا فما أتاه نتنياهو على مدار خمسة أشهر في غزة لم يأته شارون طوال عقود من الإجرام والإرهاب في حق الفلسطينيين. اختار نتنياهو فريقه في حكومة الطوارئ بعناية فائقة فلا أحد منهم غرد خارج السرب, لا أحد منهم نشز وهم يعزفون سمفونية الدمار, الكل ملتزما بالنوتة التي وضعها قائد الأوركسترا نتنياهو, كبيرهم الذي علمهم السحر,فمرة يطل علينا وزير التراث عميحاي إلياهو داعيا إلى إلقاء قنبلة ذرية على قطاع غزة ولو أدى ذلك إلى مقتل كل الأسرى ,ومرة يطل علينا وزير الدفاع يوآف غالانت واصفا سكان القطاع بالحيوانات البشرية, بعد أن أعطى أوامره بفرض حصار كامل على غزة وقطع الكهرباء والطعام والوقود, ومرة يطل علينا كل من وزير المالية بتسلئيل سوموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير يهددان ويتوعدان بالاستقالة من الحكومة في حال تمت الموافقة على وقف إطلاق النار وإبرام صفقة تبادل الأسرى, وقد حملت تصريحاتهما إبان الحرب الكثير من العنف والتطرف فقد دعيا إلى الإبادة والتهجير وإعادة احتلال غزة وحتى حرق قرى كاملة , تصريحات وأفعال كشفت الوجه الحقيقي للحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل.
إبادة جماعية والمستشفيات تحت نيران الاحتلال من جديد
إن تصريحات فريق بنيامين نتنياهو الحكومي لم تكن للاستهلاك الإعلامي , بل كانت قولا وفعلا فدوي الانفجارات في غزة لا يهدأ منذ أكثر من 5 أشهر, ترسانة عسكرية لم تستثن في عدوانها المدنيين العزل , ولا المنازل المأهولة, ولا النازحين كل ما يتحرك يقصف ,إن غزة تشهد أفظع عملية إبادة جماعية عبر التاريخ ,كما يتعرض سكانها عند الأسر إلى معاملة لا إنسانية من هتك للأعراض, وخلع للملابس وتعذيب وتنكيل , وهذا ما حصل في مستشفيات القطاع بعد أن عادت إسرائيل إلى اقتحامها مجددا لترهب, وتقتل, وتأسر, فلم يسلم لا نازح, ولا مريض ,ولا حتى الطواقم الطبية, كل الأسلحة جربت في غزة حتى أشرسها سلاح التجويع,حتى بتنا نشاهد جثثا لهياكل عظمية وتطل علينا عبر الشاشات أجساد هزيلة نحيلة وعيون غائرة من شدة الجوع, حتى المرضى في المستشفيات منعت عنهم إسرائيل الغذاء والدواء وسجنتهم بالأيام في الغرف, وفي سابقة لا إنسانية قررت منع الأونروا من إيصال المساعدات لسكان الشمال ,هل من مزيد؟ نعم بعد الإبادة والتجويع والتنكيل ظهرت مصطلحات جديدة فبتنا نسمع عن مصطلح الإرهاب الجغرافي من محللين سياسيين فما هو الإرهاب الجغرافي؟ الجيش الإسرائيلي يطلب من السكان مغادرة الحي إلى جهة يدعي أنها آمنة, لكن بمجرد وصول النازحين إليها يقوم بقصفهم, شهود عيان يتحدثون عن معاناتهم في المستشفيات التي وقع اقتحامها وكيف طلب منهم الجيش الإسرائيلي الخروج وطوال الطريق كانوا يتعرضون للقنص ولرشقات من الرصاص مركزة على أقدامهم ,إنه جنون السلاح في غزة؟ومن وسط كل مشاهد الدمار يعلو صوت المغامر الهيستيري مهددا متوعدا باجتياح رفح برا.
تهديد ووعيد باجتياح رفح
هي رافيا زمن الكنعانيين ,ورفيحو عند الآشوريين وسماها العرب رفح, من أقدم المدن التاريخية تاريخها حافل بالأحداث والغزوات والحروب ,تبلغ مساحتها 55 كم مربع وتضم 120 ألف ساكن, خلال الحرب على غزة استقبلت قرابة مليون ونصف نازح ,هي اليوم مهددة بالاجتياح البري, مما يعني شلالات من الدماء وكارثة إنسانية ,ونتنياهو الخطير والمغامر كما وصفه أستاذه شارون يصم أذنيه ويغلق عينيه ولا يسمع إلا صدى صوته “وما أريكم إلا ما أرى” فلا يسمع لحلفائه ولا للخبراء العسكريين بالاستحالة الاجتياح ,ولا يأبه للمظاهرات داخل إسرائيل الرافضة لسفك الدماء من الجهتين, مظاهرات رفعت فيها شعارات تصف حكومة الطوارئ بحكومة الدم ,ونتنياهو بالدكتاتور,ولافتات كتب عليها “الإسرائيليون مع وقف إطلاق النار” و”ولا يوجد منتصرون في الحرب”, كما هددوا بحرق إسرائيل إن لم يوقف نتنياهو الحرب ويمضي قدما في مفاوضات صفقة التبادل , وبينما غزة تشتعل بنيران القصف , تشتعل بعض شوارع أوروبا وأمريكا والدول العربية بالمظاهرات ,وتشتعل الشاشات بتصريحات السياسيين والمحللين العسكريين,والمغامر نتنياهو ما زال يصر على لعبته ,يقول مثل إنكليزي قديم إن من يلعب لعبة الشيطان يخسر, ونتنياهو يلعب في غزة لعبة الشيطان وسيخسر حتما, غامر بصورة إسرائيل دوليا وخسر,خسرت إسرائيل صورتها أمام المجتمع الدولي, صورة عملت لعقود على تلميعها, طوال عقود والساسة في إسرائيل يتحدثون عن الهولوكست وإذا بنتنياهو يفعل بالفلسطينيين في غزة أبشع مما أتاه النازيون في حق اليهود, وطوال عقود والساسة في إسرائيل يتحدثون عن السلام وحل الدولتين, وإذا بنتنياهو ينسف أي فرصة للسلام, بل يعلنها صراحة لا سلام مع الفلسطينيين , بالأمس كانت إسرائيل تتباهى بكونها الدولة الديمقراطية الحقيقية في المنطقة, اليوم أصبحت في نظر المجتمع الدولي الدولة الأكثر دكتاتورية ودموية, وقد تراجعت إسرائيل مؤخرا في مقياس الديمقراطية الذي أصدره المعهد البحثي السويدي للمرة الأولى منذ 5 عقود ونشرت صحيفة “هآرتس”مقالا بعنوان “حرب غزة تدمر ما تبقى من القيم الديمقراطية” ,كما صدر تقرير مقررة الأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز ,والذي خلصت فيه” إلى أن الحد الأدنى الذي يشير إلى ارتكاب جريمة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين كمجموعة في غزة قد استوفي” وما زالت إسرائيل تخسر ما دام نتياهو في منصبه رئيسا للحكومة الأكثر دموية على مر التاريخ.
إن إسرائيل بحربها على غزة هزت أسس النظام الدولي القائم على المبادئ العامة والقوانين التي لطالما نظمت حياة العلاقات الدولية.. فعلى مدار أكثر من 5 أشهر شعرت شعوب العالم وهي تتابع المجازر والإبادة الجماعية بالخوف من المستقبل, والسؤال يطرح نفسه ما فائدة المنظمات الدولية التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية كرد على ما حصل من فظاعات خلالها ,ما فائدتها وكل ما تمت صياغة قرار إلا ولوحت الولايات المتحدة الأمريكية بالفيتو, وحتى قرار مجلس الأمن منذ أيام الذي دعا لوقف إطلاق النار في شهر رمضان صدر بناء على أساس الفصل السادس لا على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. أي دون صيغة تنفيذية ملزمة,على مجلس الأمن أن ينتصر للإنسانية ,أن لا يفوت عليه الفرصة التاريخية,أن يقف أمام مسؤوليته بكل جدية ويستصدر قرارا بوقف إطلاق النار في غزة على أساس البند السابع, ويمضي في إجبار إسرائيل على الالتزام بالقرار والتراجع عن اجتياح رفح وينقذ قطاع غزة من أبشع إبادة جماعية.