نجيبة المعالج دربال تكتب لكم عن القناعة
رمضان صوم وطاعة وكثير من القناعة والقناعة هي الرضى بما قسم الله لنا في هذه الحياة الدنيا وعدم النظر إلى ما عند غيرنا حتى لانفقد ما نملك، فالقناعة كنز لا يفنى، والقنوع يعيش سعيدا فيحمد الله ويشكره وشكر الله يجلب له المزيد من الرزق والنعم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس» رواه مسلم، والعَرَض بفتح العين والراء هو المال، ليس حقيقة الغنى كثرة المال مع الحرص وإنما الغنى من استغنى بما أتاه الله وقنع به. وقال صلّى الله عليه وسلّم: «اِرض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس» جزء من حديث اْخرجه اْحمد في مسنده. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: « قد أفلح من أسلم ورُزِقَ كفافا وقنعه الله بما أتاه » رواه مسلم، وقال الشاعر : من ينفق الساعات في جمـع ماله مخافة فقر فـالذي فعل الفقر.
القناعة هي الرضا بالميسور واليأس مما في أيدي الناس. وقال الشافعي : العبد حرّ إن قنع ** والحرّ عبد إن طمع. وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه في القناعة فإنّها مال لا ينفد وإيّاك والطمع فإنّه فقر حاضر. لكن ما نلاحظه أحيانا أن كثيرا من الناس اعتادوا أن يجعلوا من رمضان موسما للتفنن في صنع الأكلات وتنويعها، وهم إذا أفطروا وبدؤوا بالأكل لم يرأفوا بأنفسهم فيأكلون أكل النهم الجشع فيمسون وقد أضروا بأنفسهم وصحتهم ودينهم وخالفوا فيه سنة نبيّهم وأهدروا فائدة الصيام. وحسبك أخي المسلم إسوة برسول ربّ العالمين صلّى الله عليه وسلّم فقد كان لا يأكل حتى يجوع، وإذا أكل فلا يشبع، وكان غالب قوته صلّى الله عليه وسلّم التمر والماء، بل كان يمر على بيوته الكريمة الشهر والشهران ولم تشعل النار فيها وإليكم ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضيَ الله عنها أنّها كانت تقول: والله يا ابن أختي عروة (رضي الله عنه)، إنا كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين وما أُوقِدت في بيوت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نار فقال لها : يا خالة، فما كان عيشكم؟ قالت : الأسْوَدانِ: التمر والماء. إلا أنّه قد كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيران من الأنصار وكانت لهم منايح فكانوا يُرسلون إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ألبانها فيسقيناه. (المنيحة : شاة يعطونه إياها ليشرب لبنها ثم يردها إلى أهلها) وهكذا شفقة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ورحمته وزهده وإعراضه عن الدُنيا يأتيه اللّبن هدية فيسقيه إلى أهله ويبقى هو يعيش على التمر والماء. وأين هذا مما نحن عليه الآن؟ من الترف والإسراف في الأكل والشرب وفي كل شيء، فحسبك أيّها الصّائم من الطعام ما يسدُّ جُوعك، ومن الماء ما يروي غُلتك، فإن زدت إلى حدِّ التُخمة فقد أهدرت فائدة الصيام الصحية وخالفت شريعتك المحمديّة التي أمرتك بالقصد والاقتصاد في كل شيء.
اللّهم ارزقنا القناعة وحببنا في صلاة الجماعة واحشرنا مع صاحب الشفاعة. اللّهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ونفس لا تشبع ودعاء لا يُسمع فقنّعنا اللّهم بما رزقتنا وبارك لنا فيه إنك سميع الدعاء. وفي رمضان، أكثروا من الاستغفار والصدقة وتلاوة القرآن والبرّ فيه فضل كثير…
مع أعطر تحيات نجيبة المعالج دربال