
هل الدولة مُلزمة بأن توفّر عملاً لجيش من المعطّلين؟..الحقيقة المغلّفة بالوجع والإحباط
أعلم أن ما سأقوله صادم، لكنه الحقيقة التي نحاول دفنها تحت ركام الأعذار. هل الدولة مُلزمة بأن توفّر عملاً لجيش من المعطّلين؟ الإجابة ليست بسيطة، لأن المسؤولية هنا مشتركة بين الدولة، والشباب، والعائلة على حدّ سواء. الدولة من جهتها وفّرت مراكز تكوين مهني مجهّزة بأحدث الآلات، ويؤطرها مهندسون وأساتذة أكفاء لإعداد جيل قادر على الولوج إلى سوق العمل. ومع ذلك، نرى الكثير من الشباب بعد التخرّج يرفضون الانخراط في الواقع بمنطقٍ مثاليٍّ غير واقعي: يريد وظيفة براتب مرتفع يفوق قدرته وكفاءته، ويرفض مبدأ التدرّج المهني وبناء الخبرة. ثقافة “الشهرية مسمار في حيط” أصبحت عبئاً نفسياً يقتل روح المبادرة. أما فكرة العمل كمرحلة مؤقتة لاكتساب التجربة ثم بعث مشروع خاص، فغائبة تماماً. وهنا تظهر مسؤولية العائلة التي فقدت دورها في التوجيه والتأطير والدفع نحو الاستقلالية الحقيقية. أما طلبة الجامعات، فالسؤال موجّه إليهم أيضاً:
أيها التلميذ الناجح في البكالوريا، ألم يخبرك أحد أن بعض الشعب الجامعية محدودة الآفاق؟ لماذا تصرّ على خوض طريق تعلم أنه مسدود؟ بلادنا اليوم مكتظة بخريجي الآداب والفنون والآثار وحتى بعض التخصصات العلمية التي فقدت جاذبيتها في سوق الشغل. فهل نلوم الدولة أم نلوم سوء الاختيار؟ ثم نأتي إلى الدولة، التي تتحرك بخطوات متثاقلة في مجال دعم المشاريع الصغرى، رغم الجهود التي تُبذل عبر “البنك التونسي للتضامن”. لكن السؤال الجوهري: أين منظومة التسويق؟ لماذا يجد باعث المشروع الشاب نفسه مكبلاً بكراس شروط معقّدة، واحتكارات اقتصادية تمنع التصدير أو التصنيع أو حتى المنافسة النزيهة؟ هل كتب على شبابنا أن يكونوا موظفين في شركات كبرى نافذة لا غير؟ ألم يحن الوقت لكسر احتكار العائلات المتحكمة في قطاعات بأكملها بقوة القانون؟ لا يُعقل، ونحن على مشارف الربع الثاني من القرن الواحد والعشرين، أن تظل القوانين مقيدة للطموح بدل أن تكون حاضنة له. لقد آن الأوان لمراجعة المنظومة الاقتصادية والتكوينية برمتها، حتى لا يبقى شباب تونس بين مطرقة الإحباط وسندان البيروقراطية.