هل تمثل تونس أول بلد قام بصنع البلّور في العالم؟

صرح رئيس حزب الائتلاف الوطني التونسي ناجي جلول في برنامج ” Politica ” الذي يبث على موجات إذاعة ” Jawhara Fm”بتاريخ 23 جويلية 2024 : “أن تونس هي أوّل من صنعت البلّور ”الزجاج” وجاء ذلك في الدّقيقة 01 و 39 ثانية في إطار حديثه عن مشاريعه المستقبليّة كمرشّح للانتخابات الرّئاسية 2024.
دقّق فريق تونس تتحرّى من صحّة هذه المعطيات و تبيّن أنّها زائفة.
في مرحلة أولى قامت منصة تونس تتحرى بالبحث عن الخبر المتعلق ب” أوّل مصنّع للبلّور في العالم “، في بعض المواقع العلمية العالمية عبر اعتماد محرك البحث “google” وإدخال الكلمات المفاتيح اللازمة. فوجدنا مجموعة من المقالات أبرزها مقال لمؤسسة ”دويتشه فيلله” Deutsche Welle (وهي مؤسسة إعلامية دولية ألمانية تقدم الأخبار والمعلومات والخدمات الإعلامية للجمهور العالمي وناطقة بعديد اللغات ومنها العربية .) بتاريخ 18 جوان 2005 وتحت عنوان ”بعثة ألمانية: المصريون أول من صنع الزجاج”
وجاء في مطلع المقال ”لا تزال الحضارة المصرية القديمة قادرة على إثارة الدهشة حتى اليوم، فنتائج أبحاث بعثة آثار ألمانية في مصر كشفت مؤخراً عن أقدم مصنع للزجاج في العالم ويقع شرق النيل.”
تتحدث الفقرة عن اكتشافات حديثة لبعثة آثار ألمانية في منطقة القنطرة شرقي النيل، حيث عثروا على شظايا سيراميكية يُعتقد أنها كانت تستخدم كبوتقات وأوعية صهر في عملية تصنيع الزجاج. ووفقًا للعلماء، يعد هذا الاكتشاف دليلاً على وجود أقدم مصنع للزجاج في التاريخ، يعود إلى فترة العصر البرونزي حوالي 1250 سنة قبل الميلاد. ويشير التقرير إلى أن صناعة الزجاج في مصر القديمة كانت متقدمة، حيث كان المصريون القدماء يصهرون رمل الكوارتز مع البوتاسيوم لإنتاج كتل زجاجية كبيرة، والتي كانت تُشكل لاحقًا أو تُصدر مباشرة. هذه النتائج تشير إلى أن صناعة الزجاج في مصر كانت أكثر تطورًا مما كان يُعتقد سابقًا.
وأظهر الكشف الأثري في القنطرة أن المصريين لم يستوردوا الزجاج في ذلك الوقت بل كانوا يصنعونه يصدرونه. وحكام الممالك الأخرى كانوا في حاجة إلى الحصول على الزجاج المصري لتشكيله والتزين به. ومن المرجح أن الفراعنة استعملوا الزجاج الذي بين أيديهم كورقة ضغط سياسية تمكنهم من توسيع رقعة نفوذهم وتكوين تحالفات تدعم دولتهم.
وجدنا كذلك من خلال نتائج البحث مقالا بالموقع الرسمي لمنظمة
اليونيسكو للأرشفة (هو موقع يقدم معلومات وموارد حول التراث الثقافي والطبيعي المسجل في قائمة التراث العالمي لليونسكو. يعتبر هذا الموقع جزءًا من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ويهدف إلى حفظ ونشر المعلومات حول المواقع التراثية في جميع أنحاء العالم.) تحت عنوان ”هل كنت تعلم؟ تجارة الزجاج على طول طرق الحرير في الصين ومناطق جنوب شرق آسيا” و المقال يتناول تاريخ صناعة الزجاج ودوره في تجارة طرق الحرير، مشيرًا إلى أنه كان عنصرًا مهمًا في التبادل التجاري بين الحضارات القديمة. ويوضّح أنّه تم إنتاج الزجاج لأول مرة منذ أكثر من 3500 عام في بلاد ما بين النهرين أو مصر مثلما جاء كذلك في موقع Science News (هو منصة إعلامية تقدم تقارير وأخبار علمية موثوقة حول أحدث التطورات في مختلف المجالات العلمية.)
حيث أنّ المؤرخ الروماني بليني اعتقد أن الفينيقيين كانوا أول من صنع الزجاج حوالي 5000 سنة قبل الميلاد، ولكن الأدلة الأثرية تشير إلى أن أول إنتاج للزجاج يعود إلى حوالي 3500 سنة قبل الميلاد.
هناك اختلاف في وجهات النظر حول من أول من صنع الزجاج، حيث يشير البعض إلى الفينيقيين في حين تشير الأدلة الأثرية إلى بلاد ما بين النهرين ومصر.
الأدلة الأثرية المتعددة تشير إلى أن تجارة الزجاج عبر طرق الحرير كانت محورية في تعزيز التفاعلات الثقافية والتجارية بين الحضارات المختلفة، وأن الزجاج كان عنصرًا مهمًا ومميزًا في تلك التجارة.
في جميع الحالات لا يمكن القول أنّ تونس هي أوّل من صنعت البلور. إذا كانت هناك إشارات إلى أن الفينيقيين صنعوا الزجاج في وقت مبكر من الألفية الخامسة قبل الميلاد، فمن الأرجح أن تلك الإشارات تتعلق بمنطقتهم الأصلية في لبنان، وليس تونس. تاريخ صناعة الزجاج عادةً ما يعود إلى فترة لاحقة، والأدلة الأكثر وضوحًا تشير إلى بداياتها في بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة حوالي الألفية الثانية قبل الميلاد.
في مرحلة ثانية من التدقيق، حاولنا الاتصال برئيس حزب الائتلاف الوطني لمعرفة مصدر معلوماته لكن دون جدوى.
بناء على جميع المعطيات التي تم ذكرها تصنف منصة تونس تتحرى تصريح رئيس حزب الائتلاف الوطني التونسي ”ناجي جلول” ضمن الأخبار الزائفة.

تونس تتحرى