قوانين الثورة الخمسة : دروس لا تغفل….محمد علي العماري

قوانين الثورة الخمسة : دروس لا تغفل….محمد علي العماري

2 ماي، 13:00

في تاريخ الشعوب، تُمثل الثورات لحظات مفصلية تُعيد تشكيل الواقع وتكسر الجمود. لكنها، على عِظم شأنها، ليست مساراً مفروشاً بالأمل وحده، بل تخضع لقوانين قاسية واحتمالات معقدة تحكم مآلاتها. فالحرية لا تُنتزع دون ثمن، وتحقيق الأهداف لا يتم بين عشية وضحاها، بل يتطلب صبراً، وصراعاً مع الزمن والتحديات. والأسوأ أن الثورات قد تتحول، بعد التمكين، إلى أداة لإقصاء أبنائها، لتصعد على أكتافهم قوى لم تشارك يوماً في إشعالها. ولا تنجو ثورة من أعدائها، إذ سرعان ما تتولد ثورة مضادة تهدف إلى تقويضها والالتفاف على منجزاتها.

  • أولاً: لا ثورة دون ثمن
    الثورات لا تُمنح، بل تُنتزع. وكل انتزاع يتطلب تضحيات، وقد تكون دموية ومكلفة. فالتاريخ يخبرنا أن كلفة التغيير الحقيقي تُدفع من جيب الشعوب، بدماء شهدائها، وآلام معتقليها، ومعاناة من يناضلون في صمت. وهذا الثمن، رغم قسوته، هو ما يمنح الثورة شرعيتها الأخلاقية والتاريخية.
  • ثانياً: الثورة لا تحقّق أهدافها سريعاً
    من يظن أن الثورة تحقق مبتغاها في أيام أو حتى سنوات قليلة، يجهل تعقيد الواقع السياسي والاجتماعي. التغيير الجذري يتطلب وقتاً، وخططاً، وصراعاً طويل النفس. فكل ثورة تُولد وسط الفوضى، ثم تبدأ بعدها رحلة شاقة لإعادة البناء، وغالباً ما تتعثر هذه المسيرة قبل أن تصل إلى أهدافها.
  • ثالثاً: الثورة تأكل أبناءها بعد التمكين
    ما إن تستقر الثورة في مواقع النفوذ، حتى تبدأ موجة تصفيات أو إقصاءات ضد من شاركوا فيها. الأسباب متعددة: الخوف من الاختلاف، الصراع على السلطة، أو حتى ضيق الأفق السياسي. ولهذا كثيراً ما نجد أن من ضحوا في الميادين يُقصَون لاحقاً، ويُستبدَلون بأصحاب الولاءات لا المبادئ.
  • رابعاً: الثمار لا يقطفها من زرعها
    مفارقة مؤلمة تتكرر في كل ثورة تقريباً؛ إذ يتسلّق المشهد بعد التغيير أولئك الذين كانت الثورة موجّهة ضدهم، أو من التزموا الصمت حين اشتعلت. في حين يُهمَّش من كانوا في الصفوف الأولى. وذلك لأن الثورة لا تُتوَّج بالعدل تلقائياً، بل تحتاج لمن يحمي مكتسباتها ويؤسس لعدالة انتقالية حقيقية.
  • خامساً: لكل ثورة ثورة مضادة
    النجاح الثوري لا يُرضي الجميع، فالقوى القديمة لا تموت بسهولة. ولهذا تظهر “الثورة المضادة”؛ تحركات منظمة تسعى للالتفاف على منجزات الثورة وتشويه رموزها، مستخدمةً الإعلام، المال، وحتى العنف. وغالباً ما تنجح في العودة، إن لم تتوحد قوى الثورة وتحسن إدارة الصراع.
    والخلاصة: أن الثورات ليست لحظات من المجد فحسب، بل مسارات طويلة تحتاج للوعي، والوحدة، والإرادة السياسية. أنا معرفة العوائق الاحتمالية ليست للتشاؤم، بل لتحصين الأمل من السذاجة، وتجنيب الشعوب تكرار الأخطاء. فالثورة الحقيقية لا تكتمل بسقوط نظام، بل بنهوض شعب يدرك أن الطريق إلى المستقبل يبدأ بمعرفة ماضيه، وفهم حاضره. واستشراف قادمه.

مواضيع ذات صلة