… أصبحنا شعبا يسير في الاتجاه المعاكس

 منذ فترة، ونحن نعيش على وقع مشهد سياسي تعيس، يطغى عليه التناحر  ، والتراشق بألفاظ السباب والشتائم والعمالة والخيانة… أحداث مشابهة، لتلك التي تحدث عنها جورج اورويل في روايته “مزرعة الحيوان”. أورويل حرص في روايته  على بيان الكيفية التي يُطوِع بها السياسيون اللغة لملاءمة أغراضهم. واللافت للإنتباه ، أن شخصيات الرواية تتشابه مع حال رجال السياسة في تونس اليوم. ميجر العجوز، صاحب فكرة الثورة لكنه لم يعاصر تنفيذها. ونابليون ، الرجل قليل الكلام ولكنه كان طاغية ومستبد. وسنوبول ، خصم نابليون، يحوز على ثقة معظم الحيوانات ولكن نابليون يطرده من المزرعة بمعاونة كلابه مع أن سنوبول يعمل لصالح المزرعة والحيوانات ويسعى لتحقيق حلمهم. والخنازير المتمردون الذين يتذمرون من سيطرة نابليون على المزرعة. وسكويلر الذي يعيق المجادلات بتعقيدها و هو يربك المتحاورين، و هو يدعي أن الخنازير بحاجة إلى الرفاهيات التي ينالونها دون غيرهم ليتمكنوا من العمل لصالح الجميع. و  جونز، مالك المزرعة المطاح به لتبرير ميزات الخنازير. كما أنه يستخدم المغالطات  ليقنع الحيوانات بأن نوعية حياتهم تتحسن باضطراد، و لأن معظم الحيوانات لا يذكرون كثيرا مما كانت عليه الحياة قبل الثورة فهم يصدقونه. وشخصية الحمار العجوز الذي لا يُظهر سوى القليل من العواطف و أحد معمري الحيوانات، و يبقى في نهاية الرواية. عادة ما تسأله الحيوانات عن عزوفه عن التعبير إلا أنه دوما يجيب “الحمير تعمر طويلا، و لم ير أحد منكم حمارا ميتا”، كما أن بنجمين يمكنه القراءة مثل أي خنزير، إلا أنه قليلا ما يستعرض قدرته تلك. كان بنجمين يعلم بفساد الخنازير طوال الوقت إلا أنه لم يقل شيئا للحيوانات الأخرى. وكأننا بأورويل يتحدث عن حالنا اليوم. وشخصياته الخيالية تتشابه مع رجال السياسة في تونس. فمن منا لم يشاهد نابليون وسكويلر وسنوبلر وبنجامين وغيرها من الشخصيات داخل مجلس نواب الشعب وفي قرطاج والقصبة وداخل الأحزاب نفسها. تناحر وتبادل للإتهامات من هنا وهناك وصراعات أنستنا قضايانا المهمة والأساسية، حتى ضاعت عقولنا وتاهت أخلاقنا وزادت خلافاتنا حتى تاهت البلاد وأصبحنا شعب يسير في الإتجاه المعاكس. ولعل السؤال المطروح؛ هل تنبأ جورج أورويل بالأحداث السياسية في تونس ليخط روايته مزرعة الحيوان؟

وأي تشابه في الأحداث لا يمت للواقع بصلة.