إسرائيل في قفص الاتهام مجدّدا…لبنى حمّودة
بينما سكان غزة تحت القصف والقنص يحيط بهم الموت من كل جانب, يرونه في الانفجارات التي لا تتوقف, وفي صوت أزيز محركات الطائرات الحربية والاستطلاعية الذي لا ينقطع والذي يقض مضاجعهم ويحيل ليلهم جحيما, وفي شربة ماء ملوثة إن وجدت, وفي هواء مشبع برائحة البارود ,وفي الجثث المنتشرة هنا وهناك ,وفي الأجساد النحيلة ,وفي أنين الأطفال من شدة الجوع,وفي طوابير الطعام اليومية وانتهاك كرامة الإنسانية,وفي دواء مفقود ومعابر موصودة, بينما الشعب في غزة يتعرض لأبشع إبادة عرفتها البشرية, بدأت وعلى مدار 6 أيام من 19 فيفري إلى 26 من نفس الشهرفي محكمة لاهاي, جلسات الاستماع إلى المرافعات الشفوية بناء على طلب تقدمت به الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر شهر ديسمبر 2023 في ما يخص التبعات القانونية الناشئة عن” انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وعن احتلالها الطويل الأمد للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 واستيطانها وضمها لها بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس الشريف وطابعها ووضعها وعن اعتمادها تشريعات وتدابير تمييزية في هذا الشأن”.
إن هول ما يحدث في غزة ترجمه عدد الدول المتقدمة للمرافعات الشفوية الذي ناهز 52 دولة بالإضافة إلى جامعة الدول العربية و الاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي ,ولأول مرة يسجل التاريخ هذا العدد من الدول الذي وإن دل على شيء, فإنه يدل على أن المجتمع الدولي ضاق ذرعا بعربدة إسرائيل وانتهاكها لكل القوانين والأعراف الدولية في حق الشعب الفلسطيني, الذي احتلت أراضيه ورفضت كل جهود السلام ومارست عليه شتى أنواع التمييز العنصري والاضطهاد, وها هي اليوم تقترف أبشع جريمة في حق شعب أعزل وهي الإبادة الجماعية ,لكنها ليست المرة الأولى التي تطلب فيها منظمة الأمم المتحدة استصدار رأي استشاري بخصوص الانتهاكات الإسرائيلية ,فقد سبق أن صدر قرار عن محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن جدار الفصل العنصري في 9 جويلية 2004 واعتبرت المحكمة آنذاك أن الجدار غير قانوني وطالبت إسرائيل بإزالته من جميع الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية وضواحيها مع تعويض المتضررين من بناء الجدار.
إن أهمية المرافعات الشفوية والآراء الاستشارية لا تكمن في مدى التزام إسرائيل بتطبيقها, فهي لم تقم بإزالة جدار الفصل العنصري, إن الأهمية تكمن في كشف زيف الاحتلال وكشف جرائمه للعالم, في كشف المجازر التي تقترفها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني وسط تعتيم إعلامي,إن الأهمية تكمن في كشف ما يحدث من حفريات تحت المسجد الأقصى ومن انتهاكات و اقتحامات لساحاته,إن الأهمية تكمن في كشف فضاعة ما يحدث في قطاع غزة وجرائم الإبادة الجماعية التي تريد إسرائيل طمسها بشتى الطرق ,ألم تقطع عن غزة الكهرباء والإنترنيت؟ ألم تطلب من إيلون ماسك أن يمنع الصفحات الفلسطينية من النشر على منصة إكس؟ عليهم استغلال هذه الجلسات الستة لكشف زيف الاحتلال ,عليهم أن يقدموا الحقيقة للمجتمع الدولي, الحقيقة كاملة عن زيف الادعاء الإسرائيلي, عليهم أن يسردوا الوقائع والحيثيات بالأدلة على أن الأرض للكنعانيين, أن الأرض للفلسطينيين ,أن لا حق لإسرائيل في أرض فلسطين.
ومن بين الدول المتقدمة للمرافعات الشفوية تونس, وكيف لتونس أن تغيب عن حدث تاريخي كهذا؟ وكيف لتونس أن تتخلف عن ركب نصرة فلسطين؟
ألم تمتزج دماء التونسيين بدماء الفلسطينيين بحمام الشط ؟ تونس لم تقدم كلاما لفلسطين ,ولا مواقف لفلسطين, بل أكثر بكثير, قدمت دماء أبنائها لفلسطين ..تونس حمام الشط, تونس منظمة التحرير الفلسطينية, تونس ياسرعرفات, تونس أبو جهاد, والتاريخ يشهد..
على كل دولة و منظمة ترافع من أجل فلسطين في لاهاي, أن تعي أنها أمام مسؤولية تاريخية, أنها ترافع والقصف في غزة مستمر, والعربدة المسلحة مستمرة,والإبادة الجماعية مستمرة, وأنها محكومة بالالتزام ببذل نتيجة لا ببذل عناية ,وأن عليها أن تسمعنا صوت انفجار الحقائق يدوي في كامل أرجاء محكمة لاهاي.. نحن لا نريد مرافعات دبلوماسية تنتقى فيها الكلمات بعناية, نحن نريد مرافعات “عنيفة “على النسق الإسرائيلي فالعين بالعين والبادئ أظلم,نريدها “إبادة قانونية” للادعاءات الإسرائيلية في أن أرض فلسطين هي أرض الميعاد, نريد للحقائق بالمؤيدات أن تدمغ الباطل فتجعله زهوقا.
لبنى حمودة