البكالوريا التونسية 2025 : انتحار الرياضيات.. وفائض الاقتصاد بقلم الجمعي الصحبي العليمي

البكالوريا التونسية 2025 : انتحار الرياضيات.. وفائض الاقتصاد بقلم الجمعي الصحبي العليمي

6 جوان، 18:00

بين سطور الأرقام، تختبئ حقائق لا تقال صراحة. دورة البكالوريا التونسية 2025 ليست مجرد موعد سنوي مع الامتحان، بل مرآة صافية تعكس ما يحدث – وربما ما لا يحدث – في المنظومة التعليمية التونسية.
أكثر من 151 ألف مترشح، ولكن هل من قارىء للأرقام؟ من يرى أن ثلث هؤلاء قد لجأوا إلى شعبة الاقتصاد والتصرف؟ من يتساءل لماذا تموت شعبة الرياضيات سريريًا في بلد يحلم بريادة رقمية؟ ولماذا تهجر العقول الشابة المسالك العلمية لصالح المسارات “الآمنة” أو “السلسة”؟
📌 انتحار الرياضيات.. وفائض الاقتصاد
لنعد إلى الأرقام: 8231 مترشحًا فقط في شعبة الرياضيات، أي 5% من الإجمالي، مقابل 49229 مترشحًا في الاقتصاد والتصرف (32%). هذا الفارق ليس صدفة، بل نتيجة سياسة تربوية ومجتمعية استقالت من مسؤولية التوجيه.
شعبة الرياضيات، التي يُفترض أن تكون نواة لكل حلم تكنولوجي أو هندسي، أصبحت عبئًا ثقيلًا على التلميذ التونسي. صعوبة المواد، ضعف الدعم، غياب الحوافز، بل وحتى شيطنة الفشل… كلها ساهمت في خلق صورة ذهنية تجعل من “الرياضيات” طريقًا للمجهول لا للمستقبل.
في المقابل، أصبح الاقتصاد ملاذًا لمن يريد “النجاة” بأقل الأضرار. لا لوم على التلميذ، فالمنظومة نفسها تدفعه لذلك، تُغلق أبواب الشغف وتفتح أبواب الواقعية المريحة.
🎭 المسالك العلمية تموت بصمت
20% فقط اختاروا العلوم التجريبية، و10% اختاروا علوم الإعلامية، رغم أن العالم يركض باتجاه الذكاء الاصطناعي، البيوتكنولوجيا، والبيانات الضخمة. المفارقة؟ الدولة تتحدث عن الثورة الرقمية، لكن في عمق النظام التربوي، لا توجد ثورة بل اجترار.
نحن نُعلم الجيل الجديد بأدوات الأمس وننتظر منه أن يبني غدًا لم نرسمه. مناهجنا لم تُطوّر بالقدر الكافي، والبرامج لا تُحفز الاكتشاف، بل تمجّد الحفظ وتُقزّم الفهم.
🏫 تعليم عمومي يحتضر ببطء
83% من التلاميذ يدرسون في التعليم العمومي. هذا رقم ضخم ظاهريًا، لكنه يخفي مأساة التدهور. في القرى والمناطق المهمّشة، كثير من المترشحين يصلون إلى قاعة الامتحان بلا أساتذة قارّين، بلا دروس دعم، بلا آفاق. النسبة تعني الثقة المتبقية في الدولة، لكنها أيضًا صرخة استغاثة من تعليم يئنّ تحت وطأة البيروقراطية، نقص الموارد، والرهانات السياسية.
✍️ في الختام:
البكالوريا ليست فقط امتحان نهاية مرحلة، بل اختبار حقيقي لخياراتنا الوطنية في التربية والتكوين. الأرقام ليست محايدة، إنها تصرخ: هناك مسالك تختنق، وأخرى تنتفخ حدّ الانفجار، وهناك جيل يبحث عن المعنى في منظومة بلا بوصلة.
إذا لم تُراجع تونس خياراتها التربوية، وتُعيد الاعتبار للمسارات العلمية، وتحفّز التميّز بدل من معاقبته، فإن كل حديث عن التطور والابتكار سيبقى حبرًا على ورق.

مواضيع ذات صلة