التعليم قبل التربية ام التربية قبل التعليم …سلوى بن رحومة
واقع التلميذ في ظاهره افضل بكثير من فترات ماضية من حيث البنية التحتية عموما ومن حيث المعدات ، نسبة التمدرس و كفاءة المردرسين مقارنة بفترات سابقة في تاريخ تونس . فقد كان ولا يزال الركيزة التي يسعى الى دعمها واصلاحها كل من تواتر على السلطة . الا اننا نجد ان محاولات الاصلاح التي شملت اجيالا منذ الاستقلال وخطط لها كبار رجال الدولة و العلم في بلادنا تعيش من فترة الى اخرى صعوبات وتحديات لم تغن عنها محاولات الاصلاح .بل ان البعض منها سار باجيال الى الوراء مثل تجربة التعلم بالكفايات الذي صار مجهلة ابتدائية معها يمكن للطفل ان يتقدم سنوات في الدراسة دون ان يفرق بين القاف و الحاء . ولعل هذه الطريقة في ظاهرها قد وفرت على المعلم في السنوات الاولى بعضا من الضغوطات و المصاعب البيداغوجية التي يقتضيها التعليم القديم في ترسيخ الحروف وغيره من المعلومات المبدئية للتلميذ الا ان المعلم في المراحل الللاحقة سوف يقاسي من مخلفات هذا التساهل في غير محله . ولعل كل ما وصفنا هو نتيجة لعمل واحد نقوم به في شتى المجالات وهو نقل تجارب خارجة عن بيئتنا وتبنيها على انها الحل المثالي .
و بالعودة الى بعض التفاصيل الهامة سنجد ان المواد التي تدرس منذ الاستقلال وحتى الان ليست على حالها وهذا طبيعي ان نتطور ونواكب التقدم العلمي و التكنولوجي وان نعترف بتغير الذكاء من جيل الى جيل .و الاصح ان نعترف انها ذكاءات وليس ذكاء واحد واعتماد هذه الحقيقة العلمية يمكن ان يغير وجه التعليم باكمله من حيث التعامل مع التلميذ كسلوك و تقييم ومن حيث التوجيه واحداث شعب جددية تتلائم وهذه الذكاءات تساهم في تقريب اختيار المسار المستقبلي من الكفاءة . فالتعليم فيما بعد الاستقلال مباشرة قدم لنا الكثير من الاطارات التي جعلتنا نستغني عن الاستعانة باطارات فرنسية حتى صرنا في فترات متقدمة نخبا يحتاجها كل العالم ومشهود لها في جميع الاختصاصات . هذه النخبة التي نباهي بها وتباهي بنا لم يكن تكوينها مثاليا ومع ذلك اتت اكلها في جميع المجالات على مستوى الكفاءة المهنية و مع ذلك يمكن ان نكون احسن وان يعيش التلميذ في وسط مدرسي تعلمي افضل وانجع وان تكون النتائج اكثر ابهارا باقل تكلفة اجتماعية و مالية . اما بالنسبة الى الجانب التربوي فانه لم يكن حاضرا في كل الاجيال . فقد غيرت الوازرة اسمها من وزارة التربية و التعليم الى وزارة التعليم سنة 2015 . وكانت مبادرة لاصلاح التعليم في السنة التي تليها لم يرد فيها اي حديث او جدولة او تقييم للحالة السلوكية للتلاميذ او توتر العلاقة مع المدرس او اي تخطيط قريب او بعيد يتحدث عن التربية عن الاخلاق وكيفية المحافطة عليها لا من باب انساني ولا من باب اسلامي .
لاشك في ان الحالة السلوكية التي وصل اليها التلاميذ عموما لا تقتصر على المدرسة باعتبار تداخل جوانب عديدة في تشكيل شخصية الطفل و المراهق عموما و التي يمكن حصر البعض منها في العائلة و الشارع و المدرسة باطاراتها وموادها و الشبكات العنكبوتية بتفرعاتها ويبقى مجال واسع من المؤثرات التي لا حصر لها و التي تجاوزت التقليدي . ورغم صعوبة مجال التربية فاننا نجد الوزارة تستقيل من هذا الموضوع في وقت كان لها ان تاخذ الامر باكثر جدية و بكامل السمؤولية التي عهدت لها منذ الاستقلال في العناية بتربية الاجيال المقبلة . ونحن ننتظر الان بالذات تفعيل الدور التربوي لوزارة التعليم في اطار التحصين للشخصية و الهوية و في اطار اوسع نقول بان مهام الاستقرار و الامن القومي موكول لها قبل كل شيء وقبل اي وزارة .فاذا انشانا جيلا مستقيما في اخلاقه لا يقبل على نفسه الغش والخداع و الرشوة و الزيغ و المماطلة و الكذب و تغيير الحقائق و استعمال النفوذ و السرقة و في نفس الوقت كفىء و ملتزم بالاخلاص في عمله مخلص لوطنه لن تنقصنا خطط ولا عتاد لاي احتياج قومي ولن نكون في وضعنا الحالي الذي نحن فيه بسبب غياب الاخلاق وسهولة شراء الذمم .
هذا الاحتياج التربوي اعتقد انه الاولى بالاصلاح لان به و بمثله يمكن ان نغلق كل ابواب الخطر على تونس وان نكون في اتم استعداد لخوض تجربة الارتقاء الى مستويات اخرى نحلم بها كوطن له اكتفاء ذاتي في الموارد و سيادة ذاتية في الحكم و عيش كريم لكل مواطن . اما اذا كان استعدانا فقط لتاهيل الذكاء التونسي فنحن على باب تاهيل وطن من اجل مزاد يليق به كما فعلت به حكومة العشرية السوداء