التعلّق المرضي إنهاكٌ للقلب، وتشتيتٌ للعقل، وإنذارٌ بالفشل… بلال النيفر  مهندس مهتم بالعلاقات الإنسانية

التعلّق المرضي إنهاكٌ للقلب، وتشتيتٌ للعقل، وإنذارٌ بالفشل… بلال النيفر مهندس مهتم بالعلاقات الإنسانية

9 افريل، 14:00


اتصلت بي ابنتي ذات مساء، هي لم تتجاوز السادسة من عمرها، وقالت لي بصوت مليء بالحماس: “أبي، زميلي في المدرسة أهداني قارورة عطر”
كانت جملة طفولية، بريئة… لكنها لم تمرّ مرور الكرام
بدأ اسم ذلك الفتى يتكرر كثيرًا في حديثها، وتحوّل إلى جزء من يومها وكلامها وحتى تفكيرها
عندها شعرت بشيء من القلق
ليس من ذلك الفتى البريء، بل من الشعور الذي قد يتسلّل مبكرًا إلى القلوب الصغيرة دون أن نشعر
خشيت أن تكبر ابنتي على صورة من التعلّق العاطفي المُنهِك
ذلك الذي يبدأ من براءة، وقد ينتهي بألمٍ كبير.
من هنا، أردت أن أكتب. لا كأب فقط، بل كإنسان عاش التجربة، وتأمّل فيها بعمق
عن التعلّق المرضي، وعن كيف يُربك القلب، ويُشتّت العقل، ويُهدّد استقرارنا النفسي والروحي

في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتداخل المشاعر مع اللحظات العابرة والاتصالات المستمرة،
أصبحت العلاقات الإنسانية معقّدة ومتداخلة
فبعضها يتخذ اسم “الحب”، لكنه في جوهره ليس سوى قيدٍ ناعم يُرهق صاحبه دون أن يُشبعه
إنه التعلّق المرضي
حالةٌ تختلف تمامًا عن الحب الناضج،
بل تُشبه السقوط الحرّ في هاويةٍ من الانتظار، والقلق، والاحتياج
كيف يبدأ؟
غالبًا ما ينشأ التعلّق عندما يبحث الإنسان عن شخصٍ يملأ فراغًا داخليًا؛
فراغٌ ناتجٌ عن شعورٍ بالنقص، أو ضعفٍ في التقدير الذاتي
فيُعلّق قلبه بمن يظنّه ملاذًا،
ويُراهن عليه بكل طاقته،
حتى يُصبح حضوره ضرورةً نفسية، وغيابه أزمةً وجودية
يتحوّل الأمر تدريجيًا إلى اعتمادٍ عاطفيٍّ شديد،
فيُهمِل ذاته، ويتنازل عن أولوياته، ويضحي باستقراره
ظنًا أن الطرف الآخر هو مصدر الأمان الوحيد
علامات التعلّق المرضي
التفكير المُفرط والمرهق في الطرف الآخر
الخوف المستمر من فقدانه
التنازلات المتكررة لإرضائه
التراجع في العمل والعلاقات والانضباط الذاتي
فقدان الإحساس بالقيمة في غيابه
لماذا هو خطير؟
لأن التعلّق المرضي يُشبه السجن بلا قضبان
تمنح فيه كل ما لديك، دون أن تُدرك أنك تُستنزف عاطفيًا،
وأنك تُحبّ من لا يبادلك بالقدر ذاته
والأصعب
أنك تكتشف متأخرًا أنك كنت تُستغل،
وأن العلاقة كانت تخدم طرفًا واحدًا فقط،
بينما كنت تظن أنك تبني مستقبلًا مشتركًا
بل وقد تُدفع إلى قراراتٍ لا تصبّ في مصلحتك،
تُقدَّم لك على أنها “نصائح”، لكنها في حقيقتها: إعلانٌ بانتهاء دورك
الطريق إلى النجاة:
الاعتراف أولًا أن هذا ليس حبًا صحيًا
استعادة العلاقة مع الذات… ومع الله
قطع التعلّق نهائيا، وبوعي
إشغال النفس بما يعيد التوازن: عمل، هواية، رياضة، صحبة صادقة
وتذكير النفس دائمًا
“أنا أستحق علاقة ترفعني… لا علاقة تستهلكني”
خاتمة
التعلّق المرضي ليس حبًا
بل هو إنهاكٌ للقلب، وتشتيتٌ للعقل، وإنذارٌ بالفشل
والخروج منه ليس هزيمة
بل هو ولادة جديدة، وكرامة تُسترد

مواضيع ذات صلة