الحكومة تواجه تحديات صعبة والحلول ستكون في الاقتراض الداخلي والجباية!

الحكومة تواجه تحديات صعبة والحلول ستكون في الاقتراض الداخلي والجباية!

26 أوت، 16:30

انطلقت وزارة المالية في سن فصول مشروع قانون المالية لسنة 2024، وسط تحديات وضغوطات كبيرة وصعبة هذه المرة، وهي التي لم تغلق بعد ميزانيات السنتين الماضيتين 2022 و2023، وهو ما أثقل كاهل المالية العمومية وأرهقها من توسع في العجز وتباطؤ في النمو وارتفاع مشط في التداين..
هذه التحديات ستزيد مع مطلع سنة 2024، مما يجعل الدولة أمام خيارات صعبة وقد تكون بالنسبة إليها الحل الأوحد لتعبئة تمويلات جديدة وهي التي لم تنجح في توفيرها من الاقتراض الخارجي وبالأساس قرض صندوق النقد الدولي الذي وضعته في قانون المالية السابق كأبرز الفرضيات التي انبنى عليها المشروع.
ومع سقوط هذه الفرضية التي اعتبرها طيف كبير من التونسيين بدعة لم يعهدها من قبل في سن قوانين المالية للدولة، تصبح الحكومة مجبرة على خيارات جديدة لتجاوز الصعوبات المالية التي تواجهها في ظل استحالة تعبئة موارد إضافية من الاقتراض الخارجي الذي كانت قد ضبطته بما يناهز الـ 14 مليار دينار خلال كامل سنة 2023، في حين لم تحصل إلا على ربع القيمة…
واليوم، بالتأكيد ستكون أبرز هذه الخيارات “الصعبة”، الترفيع في الجباية وخلق ضرائب جديدة من جهة، والتعويل أكثر على الاقتراض الداخلي من البنوك التونسية من جهة ثانية، لكن هذه الخيارات ستكون لها تداعيات وخيمة وخطيرة في قادم الأيام، وهو ما لم تحسب له الحكومة حسابا مما سيعمق من أزمة المالية العمومية أكثر.
وهذا ما أكده العديد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي بالتزامن مع انطلاق الحكومة في الإعداد لمشروع قانون المالية الجديد، ولعل ابرز المخاطر التي ستنجر عن تواصل الدولة الاقتراض الداخلي من البنوك التونسية، الشح في السيولة لدى البنوك..، وبذلك فإن مواصلة الدولة الاقتراض من البنوك الداخلية سيؤزم من وضع الاقتصاد الوطني خاصة على مستوى مزيد شح السيولة لدى البنوك مما سيؤثر سلبا على ابرز القطاعات الحيوية في الاقتصاد ونعني هنا الاستثمار والاستهلاك..
كما أن فشل الدولة في تعبئة موارد إضافية خارجية سيجبرها على التوجه إلى الخيارات الداخلية فإلى جانب الاقتراض الداخلي ستتجه بالتأكيد إلى الجباية التي لطالما تعتبرها الحكومات المتعاقبة ما بعد ثورة 14 جانفي الحل المناسب وذلك عن طريق الترفيع في المعاليم والاداءات والضرائب وهو ما سيؤثر بدوره على الأفراد وسيضعف المقدرة الشرائية ويقضي على ما تبقى من الطبقة الوسطى والتي تعتمد أساسا على الأجراء.
وللإشارة فان الدولة قد تلقت العديد من الإنذارات من الجهات الدولية ومؤسسات التراقين السيادي في وقت سابق بسبب مواصلتها التعويل على الاقتراض الداخلي وهو ما أدى بها إلى تصنيفات سلبية متتالية، كما أن تونس تعد من بين الدول الأعلى على مستوى الضغط الجبائي وهي التي تصنف اليوم الأعلى إفريقيا وعربيا بنسبة تفوق الـ 35 بالمائة…
وهذه الفرضيات التي يتم تداولها في اليومين الأخيرين بين التونسيين ليست بمحض الصدفة، بل جاءت بعد جملة الجلسات الاستشارية التي تقوم بها وزارة المالية في الآونة الأخيرة لإعداد فصول مشروع قانون المالية الجديد ولعل أبرزها اجتماعها مع المجلس الوطني للجباية، ومن خلاله تبين أن ابرز التوجهات للسياسة الجبائية في إطار المشروع الجديد، تتمثل في التأكيد على الإصلاح الجبائي كأهم محاور الإصلاحات الكبرى لما له من دور أساسي في تمويل ميزانية الدولة وباعتباره آلية من آليات تنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية وتحسين مناخ الأعمال ودفع التشغيل وتحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على المقدرة الشرائية للأفراد.
كما سيركز مشروع قانون المالية لسنة 2024 على مزيد تحسين قدرة الدولة على استخلاص مواردها للحد من الضغوطات على المالية العمومية مع مواصلة التصدي للتهرب الضريبي وإدماج الاقتصاد الموازي في اتجاه دعم موارد الميزانية وتوسيع قاعدة الأداء.
ومن هذا المنطلق سيتم العمل في إطار مشروع قانون المالية، بحسب وثيقة رسمية صادرة عن وزارة المالية، على مواصلة إرساء الإصلاحات الجبائية الضرورية لإضفاء مزيد من النجاعة الاقتصادية والمالية وتكريس مبادئ العدالة الجبائية بما يضمن تقليص الفوارق بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين وبما يتماشى مع أولويات وأهداف الرؤية الإستراتيجية للبلاد التونسية والتي تم ضبطها بمقتضى منشور رئاسة الحكومة المتعلق بإعداد مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024.
كما تتضمن التوجهات الكبرى لمشروع قانون المالية للعام المقبل حسب ما يتم تداوله، دعم الدور الاجتماعي للدولة من خلال مواصلة الإحاطة بالفئات الاجتماعية محدودة الدخل الذي يعتبر من بين المحاور القارة التي يتم العمل عليها سنويا ضمن قوانين المالية والتي سيتم مواصلة تكريسها في إطار مشروع قانون المالية الجديد بما يضمن المحافظة على القدرة الشرائية.
وهذه التوجهات الأولية التي تم تداولها في اليومين الأخيرين تزامنا مع اللمسات الأخيرة لإعداد المشروع الجديد لقانون المالية، ما هي إلا بداية لتنفيذ البرنامج الإصلاحي للحكومة التي أعلنت عنه مطلع السنة الحالية برئاسة نجلاء بودن ولم يتم تفعيل بنوده بصفة رسمية إلى اليوم، وقد تكون شارة انطلاق تفعيله مع رئيس الحكومة الجديد، احمد الحشاني، والوسيلة ستكون بواسطة قانون المالية للسنة المقبلة..

مواضيع ذات صلة