
الفن العربي بين صخب الحفلات وغياب أسطول الصمود
2 سبتمبر، 20:45
في زمن تتهاوى فيه البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ويصبح الدم روتينًا على الأرض، يبدو المشهد الفني العربي وكأنه يعيش في عالم آخر: حفلات صاخبة، أغانٍ راقصة، أضواء تتلألأ في القاعات، بينما غزة تحترق بالنار والدم. هنا تكمن المفارقة المأساوية: الفن يتابع نفسه، لكنه يغفل اللحظة التي يمكن أن يخلّد اسمه في التاريخ.
- فن بلا ذاكرة
تاريخ الفن العربي يفيض بالمواقف البطولية؛ من أم كلثوم التي غنّت لفلسطين، إلى مارسيل خليفة الذي جعل العود جبهة مقاومة. اليوم، كثير من الفنانين انقطعوا عن هذا الإرث، وانغمسوا في حفلات الترفيه، وكأنهم يعيشون على كوكب بلا أخبار، بلا أطفال يموتون، بلا قلوب تنزف. - غيابهم في أسطول الصمود
بينما تصدّر مشاهير غربيون الأخبار بصعودهم إلى أساطيل التضامن وكسر الحصار عن غزة، بقي الفنانون العرب غائبين عن هذا الفعل الميداني الحاسم. حضورهم كان سيحوّل التضامن من كلمات وصور على وسائل التواصل إلى فعل ملموس له صدى عالمي، ويثبت أن الفن العربي قادر على المشاركة في صناعة الأثر. غيابهم اليوم يترك فراغًا إعلاميًا وأخلاقيًا، ويظهر الفرق بين فن يختار الحركة وفن يغرق في صخب الحفلات وراحة الاستوديوهات. - صمت يفضح
الصمت أو الغياب في لحظة المجازر ليس حيادًا، بل هو انحياز للمعتدي. الجمهور العربي يعرف ذلك ويشعر بخيبة أمل حين يرى مشاهير الغرب يخاطرون بمكانتهم، بينما فنانو الوطن يواصلون حفلاتهم المترفة. كل صورة على منصة التواصل لا تعادل ظهورًا مباشرًا، وكل تغريدة لا تساوي صرخة في الميدان. - ما الذي يمكن أن يفعله الفنانون العرب؟
تجميد الحفلات الترفيهية أثناء الكارثة الكبرى، أو تحويلها إلى فعاليات تضامنية.
إنتاج أعمال فنية كبرى: أغاني، مسرحيات، أفلام قصيرة تجسّد مأساة غزة وتوصلها للعالم.
المشاركة الميدانية: أساطيل التضامن، المهرجانات العالمية، الاحتجاجات أمام المؤسسات الدولية.
توحيد الصف الفني العربي: حملة مشتركة ترفع الصوت جماعيًا، بدل أن يظل التضامن فرديًا متقطعًا. - الفن موقف أو لا يكون
الفن ليس مجرد صوت جميل أو صورة على شاشة، بل هو ذاكرة الأمة وصوت الضمير. والفنان الذي يختار الحفلات على حساب الدم في غزة يترك التاريخ ليحكم عليه بالصمت والخذلان. أما من ينحاز اليوم ولو بأغنية واحدة أو موقف واحد على أرض الواقع، فسيُكتب اسمه في ذاكرة الأمة كما حُفر اسم درويش وخليفة ووديع الصافي.
غزة اليوم لا تحتاج إلى أضواء على المسارح، ولا كلمات تصدح على الشاشات. غزة تحتاج إلى أفعال ملموسة، حضور حي، صرخة عربية حقيقية تجعل العالم يرفع رأسه ويصغي. الفن العربي الذي يختار الميدان سيصبح صوت فلسطين القوي الذي لا يُنسى، والفن العربي الذي يختار الصمت سيصبح مجرد صدى ضائع في صخب الحفلات.