
الفيتو: حين تُختَصر العدالة في صوت واحد….اشرف المذيوب
في قاعة الأمم المتحدة، حيث يفترض أن تُصاغ قرارات العالم بروح العدالة والإنصاف، يتجلّى مشهد غريب وموجع: مئات الأصوات من دول مختلفة، من شعوب تبحث عن السلام، من أمم أنهكتها الحروب، كلها تُجمع على مطلب واحد—وقف الدماء. لكن هذا الصوت الجماعي، هذا النداء الإنساني، يُمحى بجرة قلم من دولة واحدة تقول: “فيتو”.
هكذا، تُختصر العدالة في كلمة، وتُسحق إرادة العالم بأسره أمام مصالح ضيقة، وتحالفات باردة لا ترى في الإنسان سوى رقماً على طاولة الحسابات السياسية.
الفيتو، الذي وُضع بعد الحرب العالمية الثانية ليحمي توازن القوى، تحوّل إلى أداة لتعطيل الإرادة الدولية، وسلاح صامت بيد الدول الكبرى لفرض منطق القوة بدل منطق الحق. فما معنى القانون الدولي إذا كان يخضع لرغبة دولة واحدة؟ وأي عدالة هذه التي تُحاصرها مصالح الكبار بينما يُترَك الضعفاء تحت الركام؟
اليوم، في غزة، نرى الحقيقة عارية: أكثر من 180 دولة تقول “أوقفوا الحرب”، بينما دولة واحدة تُقرر أن الحرب ستستمر. مشهد يلخّص مأساة النظام الدولي: القانون ليس إلا مرآة لموازين القوى، لا لميزان العدالة.
ومع كل فيتو يُطلق، تتعرّى القيم التي يتغنّى بها العالم، من حقوق الإنسان إلى السلم العالمي. ويبدو واضحًا أنّ الإصلاح الحقيقي لا يكمن في تغيير بنود القوانين فقط، بل في إعادة صياغة مفهوم الإنسانية ذاتها، حتى لا تبقى رهينة لخمس عواصم تتحكم في مصير الأرض.
إنّ الفيتو ليس مجرد حق قانوني، بل هو عار أخلاقي حين يُستخدم لمنع وقف الدماء. إنه إعلان صارخ أن العالم مازال محكوماً بمنطق القوة، وأن أصوات الشعوب، مهما ارتفعت، قد تُخمدها همسة من دولة واحدة ترى نفسها أكبر من الجميع.