المنشّط فيصل القاسمي للموقع : تعوّدتُ على الأغاني الرّائقة والمثقّف الحقيقي سيبقى شامخا مهما كانت العواصف

المنشّط فيصل القاسمي للموقع : تعوّدتُ على الأغاني الرّائقة والمثقّف الحقيقي سيبقى شامخا مهما كانت العواصف

12 سبتمبر، 21:22

صديق وفيّ وإنسان راق في ذوقه وفي معاملاته، فنّان عاشر فنّانين من تونس ومن العالم، يعيش بالجمال والحلم والكلمة الصادقة التي تنهض بالمجتمعات، نذر مسيرته الإبداعية للثقافة… حادثناه فأحسسنا بعمق فكره ومعرفته وكان هذا الحوار الذي يفيد القارئ وينيره ويمتعه :

1) أستاذ فيصل، مرحبا بكَ في موقع الصّحفيّين التّونسيّين بصفاقس.. كثيرا ما أبدعتَ في برامج الثّقافة.. ما هو مفهومكَ للثّقافة ؟ ولماذا رذّلناها وحصرناها خاصّة في المهرجانات الموسيقيّة أو المسرحيّات في المدارس أو في الفضاءات العامّة بغثّها وسمينها ؟

الثّقافة مفهوم شامل وواسع بلا ضفاف… من خلال تجربتي الإعلاميّة سواء في الصّحافة المكتوبة خلال التّسعينيّات من القرن الماضي حيث عملتُ في الصّحافة الورقيّة وكذلك في الصّحافة العربيّة… وهذه التّجربة كان لها دور هامّ في مسيرتي الإذاعيّة… الصّحافة أعطتني فرصة للقاء كبار المثقّفين والفنّانين في تونس والوطن العربي حيث كنتُ هناك مراسلا للصّحافة التّونسيّة في دمشق خاصّة أخبار الجمهوريّة مع منصف بن مراد…. إضافة إلى الولع بالمطالعة وقراءة أمّهات الكتب…. الثّقافة مفهوم شامل وواسع… تجارب الإنسان هي في حدّ ذاتها ثقافة…

2) ألا ترى أنّنا نبني آلات جامدة عالمة ولا نبني قلوبا مثقّفة سالمة ؟ ألا ترى أنّنا نهتمّ بالنّتائج المدرسيّة والمراتب الفخريّة على حساب نبل الشّخصيّة وإنسانيّة الإنسان ؟

صديقي الدّراسة ضروريّة والإنسان الأمّي لا مكان له في المجتمع… ونحن هذه الأيّام سنبدأ في استشارة وطنيّة حول المنظومة التعليمية التونسيّة التي تآكلت…. وتجاوزها الزّمن…. التّعليم ضروري.. جيلنا تعلّم في ظروف بسيطة متواضعة لكنّه نجح إلى حدّ ما مقارنة بدول أخرى خاصة العربية… لكنّها تفوّقت علينا في كل شيء…. الأسرة لها دور كبير في بناء شخصيّة الطفل والشاب…. والعالم الآن قرية صغيرة كل شيء متاح للجميع…. ولنا مثال رائع أنس جابر سفيرة السعادة.

3) يشتكي كثير من الأدباء والفنّانين من التّهميش والمحاباة في الحقل الثّقافي… ما هي أسباب ذلك ؟ وما هي أهمّ الحلول لردّ الاعتبار للصّادقين منهم ؟

صحيح كلامك…. لكن هذا قدر الأديب والمفكّر المبدع منذ قرون… ولنا مثال كتبه التّاريخ ابن رشد وحَرْقُ كتبه، وقد أبدع يوسف شاهين في بيان ذلك من خلال فيلم “المصير” الذي حضرتُ تصوير كواليسه في سوريا…. هي معضلة أزليّة والأديب المبدع والمثقّف عليه أن يقاوم كل ما هو رديء… لكن هناك البعض ممّن يساهم في هذه الرّداءة والابتذال أحيانا… المثقّف الحقيقي يذكره الجميع وسيبقى شامخا مهما كانت العواصف… أعطيكَ مثالا المفكّر العربي والتّونسي هشام جعيّط رحمه الله.

4) كلمة حقّ لا بدّ أن تقال.. اختياراتكَ الموسيقيّة راقية جدّا وطربيّة سواء أكانت شرقيّة أم غربيّة وهو ما نفتقده في العصر الحالي… ما السّرّ في هذا الحسّ الفنّي المرهف ؟ ولماذا تدنّت الذّائقة العامّة ولم تعد تشعر بالجمال ؟

شكرا على السّؤال…. الاختيارات الغنائية الجيدة ضرورية في البرامج الإذاعية والتلفزية…. شخصيّا أحببتُ منذ الصّغر وعمري ثمان سنوات محمّد عبد الوهّاب، عبد الحليم حافظ، أمّ كلثوم، كارم محمود، نجاة الصّغيرة، فائزة أحمد، عليّة، الهادي الجويني، الجمّوسي، نعمة، صليحة، عدنان الشّوّاشي، والقائمة تطول… وأستمع إلى برامج صالح جغام ومروان صواف السوري وحكمت وهبي اللبناني رحمه الله…. تعوّدتُ على الأغاني الرائقة.

5) يبدو الشّعر مسيطرا على الساحة الأدبية.. ولكن ألا ترى أنّ الحابل قد اختلط بالنّابل فصارت عروضا فرجويّة وشعبويّة وفلكلوريّة ؟ وما هي أهمّيّة الشّعر في حياة الشّعوب ؟

الشّعوب المتحضّرة المتقدّمة تجد عندها كبار الشّعراء في العالم…. ونحن الشّعوب العربيّة والحمد لله لنا شعراء مثل نزار قبّاني، محمود درويش، مظفر النواب، فاروق شوشة، حيدر حيدر، يوسف رزوقة، أبو القاسم الشابي، عامر بوترعة….. صحيح في السنوات الأخيرة كانت هناك طفرة في كمّ كبير من الشعراء…. لكن في الأخير يبقى في الواد حجره…. والشاعر الكبير يبقى كبيرا…. ولي أصدقاء كثر هم شعراء أحيّيهم وأشدّ على أيديهم….

6) كثير من الحصص الثقافية تُبثّ ليلا.. أذلك اختيار من المذيعين -وأنتَ منهم- لأنّ الليل زمن الحكمة والفلسفة والتّفكّر في أعمال النّهار وربّما زمن النّاس الحالمة والعاشقة أم لأنّ البرمجة تقتضي ذلك ؟

البرامج الثقافية عادة مواعيدها ليلا وهذا منذ سنوات طويلة، ولها متابعوها فَجَرَت العادة كذلك…. كذلك الليل يتيح للجميع الحضور والسهر على موجات الأثير….. لكن إذاعة تونس الثقافية تبثّ برامجها على مدى 24 ساعة وبرنامجي “لقاء ولقاءات” يبثّ في وسط النّهار وكذلك يعاد ليلا…. ويبقى الليل أروع الأوقات سبحان الله في خلقه….

7) هل يمكن أن نعتبر أنّ الوصاية الفكرية والأعراف الاجتماعية والدينية قيدا يحدّ من تفكير المبدع لقول كلمته وبناء المجتمعات بناء سليما حتى تقترب أكثر ما يمكن من حقيقة وجودها وحقائق الكون الخفيّة ؟

الوصاية الفكرية التي يفتعلها البعض لا معنى لها.. المبدع الحقيقي حرّ دائما في فكره وما يقدّمه للمجتمع والإنسانية… الإنسان وُلد حرّا.

8) صوت فيصل القاسمي دافئ ولطيف على غرار لطفي البحري وجميل الدّخلاوي وإقبال الكلبوسي… ما مدى تأثير نبرات صوتنا في إيصال الرّسالة للمستمع في زمن صار فيه الصّراخ والصّخب قوّة وخَطابة في السّياسة والدّين والرّياضة والفنّ وفي الحياة الاجتماعية ؟

الصوت هو جزء من شخصية الإنسان وروحه ووجدانه وما ذكرتَهم رائعون خاصة جميل الدّخلاوي صوت الملائكة إقبال الكلبوسي… أذكر صوت صديقي نجيب الخطّاب وطاهر مبارك المعلّق الرياضي الشهير… أتمنى أن أكون مثلهم.

9) من خارج تونس، من أهمّ الشخصيات الذين تفتخر بمحاورتهم في برامجكَ ؟

عادل إمام، أحمد زكي، عمر الحريري، يوسف شاهين، يسرا، محمود عبد العزيز، كاظم الساهر، راغب علامة، جورج وسوف، حنّا مينا، نجيب محفوظ، وحيد حامد، محفوظ عبد الرّحمان، عبد الرّحمان الأبنودي وعديد وعديد….

حوار : سامي النيفر

مواضيع ذات صلة