بعيدا عن السياسة….علي البوكادي
كنت في بعض شأني بالحاضرة، أجوب شوارعها العامرة، أختلف إلى الأسواق والساحات وأتبضّع من الدكاكين والمغازات.. وبين يديَّ قائمة بلا نهاية خطّتها زوجتي من البداية.. فكثرت على كاهلي الأكياس وقاربتُ الإفلاس .. وأدركني التعب وأخذ مني النَّصَب. .. وإذا بي أمام مقهى مضروب في الطريق ألهمني إلى الفرج بعد الضّيق .. فقلت أبلُّ الرّيق ببعض شاي ، وأتنفّس وأسترجع إلى مولاي.. جلست بين الناس. جلست بين المناضد أوسّد أكياسي وأعاضد .. وفي لمح البصر انتصب أمامي النادل كالقدَر .. سائلا عن شربي متبرما من عدم قربي .. كان الناس بين ضاحك وباكي ومنبسط وشاكي .. يتحادثون ويتجادلون وفي شؤون العامّة يخوضون.. وإذا برجل قد بان هزاله حتى كاد أن يسقط سرواله لحيته كثة وثيابه رثة ..يحدث نفسه في غضب ويلعن ويسب ويجيل نظره بين الحاضرين كأنه أسد أو تنين.. ثم هاج وماج وأرعد وأزبد وقال دون تردد:
انا يا سادتي الكرام، لا افهم في الارقام ولست من ذوي الريادة في تقدير الاقتصاد بنقص او زيادة.. لا افهم نزول الدينار وصعوده ولا انهيار الإقتصاد او اشتداد عوده.. ولا اميز بين الميزان التجاري وميزاب المجاري ولا افقه معنى لمؤشرات البورصة والمضاربة ولا التحاليل المالية والمقاربة.. حسبي ما اراه على اللافتات من اسعار واشتباه اثرها بحرق النار. اسعى ان تبقى عائلتي حية من الشهرية الى الشهرية.. فان دفعت الكراء عز خلاص الماء وإذا دفعت فاتورة الكهرباء اراني مضطرا للنسيئة في الدواء.. لا اخفي عنكم ضيق الحال والعجز عن الاحتيال والنأي بنفسي عن السؤال.. ولي في البيت ام عيال.. وبعض صبية أشبال.. لابد من تلبية مطالبهم في حدود الممكن دون ان انسى صيانة المسكن.. باصلاح ما فسد وتعويض ما افتقد وتجديد القديم واتلاف العديم.. وما ان ينتهي شهر وتنقضي شؤونه حتى يبتدئ آخر وتجثم ديونه فاغدو كالراكض في الوحل او هارب من لسع النحل.. إذ يئن من الوجع الدماغ وتشكو الجيوب الفراغ ويمتلئ الصدر بالهم ويغيب عن وجنتي الدم… ابحث عن بعض التسلية في التلفاز فأجده منجما للألغاز.. ارقام وارقام وبرامج وافلام.. ولا حديث عن حالي ولا عن بؤس أمثالي ولا عن نهاية للفقر قبل الخلود الى القبر.. فالعن الكثير من العباد والسياسة والاقتصاد والارقام والاقراص والاعواد.. وانزوي طلبا للنوم علي اريح سمعي من كذب هؤلاء القوم.. ثم رحل كما جاء كعاصفة هوجاء.
سألتُ عن الرجل فأجابني أحدهم دون وجل: أوَ لا تعرف سمير المكنّى بأبي فقير؟ هذا حاله منذ 14 يناير .. أحيانا يداري ويساير وأحيانا يعادي ويسب ويعاير.. كان طامعا بعد الثورة في بعض كرامة فأصبح يقتات من القمامة .. فكبر بلاؤه وخَلَفَ تعقلَه غباؤُه. وأصبح المسكين من الدراويش بعد أن كان في رغد يعيش.. قمت من مجلسي أبحث عن دربي بعد ان نقدت النادل ثمن شربي ..أنظر إلى ما اشتريت فأحس أني ما استحييت .. عرفت أخيرا طريق البيت وأنا أقول يا ليت ويا ليت..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي بوكادي