تحت أي عنوان ستكون عملية التجييش ليوم 2 مارس 2024؟…مصدّق الشّريف
حريّ بنا أن نجيب عن السؤال الذي سيلقى علينا. هل من مانع أن يدعو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل إلى التجمهر والاحتجاج؟ والسؤال نفسه ينسحب على بقية الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنيّة والمجتمع المدني.
بالطبع لا يوجد أيّ عاقل يصادر حرية الآخرين في التعبير عن آرائهم وممارسة أيّ نشاط سياسي أو اجتماعي أو ثقافي. والعاقل أيضا من يكون له هدف يصبو إليه من وراء نشاطه مهما كان لونه أو طابعه. ما عدا هذا يدخل التحرّك تحت طائلة العبث أو محاولة تجميع النّاس ليصبحوا حديث المواطن من قبيل السؤال هل صحيح أنه تم ضرب الحق النقابي والتعسف عليه؟
دعت المركزية النقابية إلى التجمع يوم السبت 2 مارس 2024. ولهذا التاريخ رمزية بالنسبة إلى الدستوريين. فهو يمثل ذكرى تأسيس الحزب الحرّ الدستوري سنة 1934 بمدينة قصر هلال. وربما تكون المناسبة تحيّة من أعضاء المكتب التنفيذي إلى كلّ من خالف مسار 25 جويلية 2021 ومازال يشدّه الحنين إلى تاريخ حزب مضى وانتهى تريد رموز سياسية في بلادنا البناء على أنقاضه.
المهم بالنسبة إلينا هو الوضع العام للبلاد على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وعلاقته بالأطر النقابية المركزية. إنّ ما جاء من أخبار في السّر أو حتى في العلن تفيد أنّ المركزية النّقابية تعمل منذ أسابيع بالتّنسيق مع الاتحادات الجهوية على أن يكون تجمع 2 مارس ضخما. ومن أجل ذلك شرعت في توفير كلّ الإمكانيات المادية واللوجستية: حافلات، سيارات خاصة، وصولات بنزين، مأكولات، أشياء أخرى من متاع الدّنيا وزينتها لا سيّما أنّ الطامع والمأجور يقنع حتى بالفتات.
ولكن لماذا كلّ هذا؟ وما الغاية من التّجييش؟ حتى يتحقّق ما هو مفقود؟ ربما. هل استشرافا لخطر يهدّد مكاسب الشغالات والشغالين؟ هل هناك مسّ من السيادة الوطنيّة أو تدخل سافر من قبل الجهات الدّولية أو المؤسّسات البنكيّة والماليّة؟ هل دسسنا رؤوسنا في التراب حتى لا نعبّر عن موقفنا الصّريح والجريء مع المقاومة الوطنيّة الفلسطينيّة خوفا من أسيادنا وحلفاء الصهيونيّة من دول غربيّة وعلى رأسها أمريكا؟ هل أغلقت الساحات أمام الجماهير؟ أم هل منعت من التظاهر والخروج لمساندة الشعب الفلسطيني وكل قوى التحرر والانعتاق في كامل المعمورة؟ هل من اتفاقيات بعد الإعلان الرسمي عن التخلّي عن المناولة ودعوة كل الذين كانوا يتقاضون أجورا للالتحاق بمقرات العمل الشاغرة؟ هل تم ضرب الحق النقابي والتعسف على النقابيين؟ أم هل الموضوعية تقتضي منا أنّ نقول إنّ أيّ اتفاق أو قانون أساسي ضمن حق التفرغ هو اليوم ساري المفعول (الشركة الوطنية للسكك الحديدية أنموذجا)؟ هل من أهداف تجمع يوم السبت 2 مارس 2024 التصدي للفساد الذي ينخر البلاد من رتبة الحاجب إلى منصب الرئيس المدير العام؟ أم هل التجمع سيسقط في التنديد بقمع الحريات وإبلاغ التحية مرة أخرى الى سجناء المرناقية؟ لعلّ القاصي والدّاني على علم بتوجه رئيس الجمهورية اليومي لمحاربة الفساد والفاسدين والمحتكرين والمضربين. وقد نادت شعارات عديدة في مسيرات عمالية بتطبيق الفانون على كل من خرب بلادنا واختلس أموالها وربط شبكات تهريب لكل أنواع السلع على حساب حق المواطن في العيش الكريم وضمان استقراره الاجتماعي والنفسي.
قد يؤكد هذا التجمع قيمة العمل بعد أن ضُربت ثقافته لمدة سنوات خاصة منذ 2011. ولكن هل تساءلنا من المسؤول عمّا جرى؟ أليس ما نعيشه اليوم نتيجة تحول الحق النقابي والمطالبة بحقوق الشغالين إلى ضرب من التمرد والتطاول على حرمة المؤسسة ونواميسها من قبل مجموعة من النقابيين؟ هل غاب عن المشرفين عن التجمع أن كل الوطنيين المخلصين قد نادوا بضرورة التعويل على الذات بالعمل ثم العمل وعدم الارتهان إلى دوائر صناديق النهب وبنوكها؟
وعلى العموم، فإنّه من الأفضل لمن داره بالبلور ألاّ يضرب الناس بالحجارة. تفنى العباد ولا تفنى صنائعهم. وإنّ الحكيم من يختار لنفسه ما يحلو به الأثر.