حديث الجمعة : نعمة الصحة والعافية
الحمد لله بنعمته تتم الصالحات، وبشكره والثناء عليه يكثر الخير وتزداد المسرات، وأشهدا أن لا إله إلا الله ولي الصالحين والصالحات، وأن محمداً عبده ورسوله يصلي عليه أهل الأرض والسموات، ورضي الله عن سادات ديننا وكبراء أئمتنا بالحق أبي بكر عمر وعثمان وعلي، وبقية الصحابة والقرابة والتابعين إلى يوم الدين، أوصيكم ونفسي الخاطئة أولا بطاعة الله، وأحثكم على طاعته ولزوم أوامره، وكثرة مخافته، فان التقوى شعار المؤمنين، ودثار المتقين ووصية الله في وفيكم أجمعين وبعد:
أيها المسلمون:
إن الله أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنه، ومن نعمه الجليلة، وأفضاله الكريمة نعمة الإسلام والتمسك بتعاليم الشرع الحنيف، وقد قال سبحانه عن أهل الجنة وهم في النعيم المقيم: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43].
والهداية إلى الحق، وتذوق حلاوة الإيمان، وانشراح الصدر، وقرة العين مما يفقده الكثير اليوم حيث القلق وفقدان الاطمئنان والشعور بالتوتر، وقد امتن الله على عباده بهذه النعمة وأسبغها على أولياءه وأصفيائه فقال ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
ومن أجل النعم بعد نعمة الإسلام، والهداية اليه والتوفيق نعمة الصحة والعافية، وسلامة الأعضاء من الآفات والأمراض، وبالصحة يمكن للمرء مزاولة الكثير من الأعمال، وأداء الكثير من العبادات والطاعات التي يثاب عليها المرء جاء في الحديث:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رواه البخاري.
والغبن المقصود به الخسارة، فتجد الكثير من الناس لا يقدرون هذه النعمة العظيمة، ولا يستخدمونها في موضعها، ولا يقدرون أهميتها وقيمتها، لذا فهم يستعملونها فيما لا يرضي الله ولا يرضي رسوله صلى الله عليه وسلم، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من لم يحسن استعمال هاتين النعمتين فقد ظلم نفسه، ومَنْ اِسْتعمل فراغه وصحَّته فِي طاعة الله فهوَ المغبوطُ. ومَنْ اِسْتعملهما فِي معصية الله فهوَ المغبونُ..
أيها الناس:
إذا أراد المرء أن يعرف قيمة تلك النعمة العظيمة فليذهب إلى المشافي، ولينظر إلى الراقدين على الأسرة، والمصابين بأنواع من الأمراض الجسدية مثل مرض القلب والشلل، وفقدان بعض الأعضاء، وهم يتمنون أن يكونوا في كامل صحتهم وعافيتهم، ولذا حثنا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام على استغلال تلك النعمة في طاعة الله ورسوله فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (بادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) أخرجه الترمذي في سننه.
أيها المسلمون:
كم منا من يستعمل لسانه في الغيبة والنميمة وإيذاء المخلوقين بدلا من أن يستعمله في تلاوة كتاب الله، وذكره والنصح والإرشاد، والأقوال النافعة المفيدة التي تنفع وتخدم المجتمع، كم منا يستعمل نظره فيما حرم الله بدلا من النظر في ملكوت السموات والأرض، وتدبر آيات الله المشهودة والمرئية، كم منا من يستخدم رجله في المشي إلى إيقاع الخصومة بين الأحبة وإلى ما حرم الله بدلا من أن يستعملها فيما وضعت له من المشي للمساجد وعيادة المرضى.
أيها المؤمنون:
إن بعض الناس -هداه الله – يحصر نعم الله في الأموال – الدرهم والدينار -، فتراه إذا خسر في تجارة أو ضاع منه مبلغ، أو ركبته الديون جزع وأصابه اليأس والقنوط، – والمال بلا شك من النعم التي أنعم بها علينا الخالق – وينسى أو يغفل عن نعم عديدة تحيط به من كل جانب، مثل نعمة البصر والسمع، ونعمة الشم والتذوق التي لو فقدها لم يجد للحياة مذاقا، فبها يتذوق حلاوة الطعام ولذة الشراب، وكذا نعمة اللسان التي يعبر بها عما يجول في خاطره ويخاطب بها من حوله، ولذا جاءت الآثار تبين أهمية التفكر والتدبر والتأمل في نعم الله، وأنه-أي التفكر – ربما يفوق بعض العبادات والطاعات، لأن التفكر والاعتبار والتأمل يورث الخشية، ومحبة المنعم وطاعته والالتجاء إليه في الضراء، وشكره في السراء، قال أبو الدرداء: (تفكر ساعة خير من قيام ليلة) رواه أحمد وإسناده صحيح.
اشكروا الله أيها المسلمون على ما أولاكم به من النعم، واسألوه أن يدفع عنا وعن بلادنا الشرور والنقم، وأدوا ما افترض الله عليكم من الطاعات، قبل حلول الأجل وضياع الصحة والأوقات، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات، وطوبى لمن وجد في صحائفه استغفاراً كثيراً، وصلاة على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.