حديثُ الجمعة : تفاصيل رحلة العجائب المثيرة والصعود إلى السماوات السبع.. الإسراء والمعراج

حديثُ الجمعة : تفاصيل رحلة العجائب المثيرة والصعود إلى السماوات السبع.. الإسراء والمعراج

25 فيفري، 11:00

هو بشر مثلنا؛ لكنه جاء إلى الدنيا حاملًا قلبًا كبيرًا مليئًا بالخير والحب لكل المخلوقات، وبالإيمان الصادق للخالق، فأصبحت له مكانة عظيمة بين البشر، ومنزلة أعظم عند الله، وبهذه المنزلة وصل مكانًا في السماوات العلا لم يصله بشرٌ من قبله؛ وهو سدرة المنتهى، وصلّى إمامًا بكل الأنبياء في المسجد الأقصى، وما ذلك إلّا إشارة أنَّ مقامه لا يعدله مقام، وأنه بلغ من التشريف ما لم يبلغه أحد، إنه نبينا محمد “صلى الله عليه وسلم” الذي صعد إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج

رحلة العجائب

تُعتبر رحلة الإسراء والمعراج أعجب وأغرب الرحلات التي قام بها البشر على الإطلاق، حيث تمثلّت هذه الرحلة بقدرة الله تعالى على الإسراء بالنبي محمد “صلى الله عليه وسلم” من مكة الكرمة إلى المدينة المنورّة، وبعد ذلك عُرج به إلى السماوات العُلا، ثمَّ رجع إلى بيت المقدس، وتنتهي الرحلة بعودة النبي “صلى الله عليه وسلم” إلى مكة المكرمة، وكان ذلك كلّه في فترة زمنية قصيرة تتحدد بجزء قليل من الليل، وبالتالي فقد كانت رحلة الإسراء والمعراج إحدى معجزات النبي محمد “صلى الله عليه وسلم”.

فالإسراء يعني ذهاب الله بنبيّه “صلى الله عليه وسلم” من المسجد الحرام بمكّة إلى المسجد الأقصى بإيلياء ـ مدينة القدس ـ في جزء من الليل، ثمّ رجوعه في نفس اللية إلى فراشه، وأمّا المعراج فهو إصعاده “صلى الله عليه وسلم” من بيت المقدس إلى السّموات السّبع، وما فوق السّبع؛ حيث فرضت حينها الصّلوات الخمس، ثمّ عودته إلى بيت المقدس في جزء من الليل.

الرحلة في القرآن الكريم والسنة

وقد ثبت الإسراء في القرآن الكريم، والأحاديث الصّحيحة المتكاثرة، فأمّا ما جاء في القرآن الكريم فهي سورة كاملة سميت بهذه الرحلة وهي سورة الإسراء، وفيها يقول الله سبحانه وتعالى: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

وأمّا المعراج فهو ثابت بالأحاديث الصّحيحة، ولقد تعدّدت الرّوايات حول الإسراء والمعراج في السّيرة والأحاديث النّبوية الصّحيحة، ولا يوجد حديث واحد يجمع ما ورد من أحداث خلال هذه الرّحلة المباركة، وإنّما هناك مجموعة من الأحاديث، والتي يشير كلّ منها إلى جانب أو جزء من تلك الرّحلة المباركة، وقد أورد السيوطي: (أنّ الإسراء ورد مطوَّلًا ومختصرًا من حديث أنس وأُبَيِّ بن كعب وبُرَيْدَة، وجابر بن عبدالله وحذيفة بن اليمان وسَمُرة بن جُنْدُب، وسهل بن سعد وشدَّاد بن أوس وصُهَيب، وابن عباس وابن عمر وابن عمرو، وابن مسعود وعبدالله بن أسعد بن زرارة وعبدالرحمن بن قُرْط، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، ومالك بن صعصعة، وأبي أُمَامَة، وأبي أيُّوب، وأبي حبَّة، وأبي الحمراء، وأبي ذَرٍ،ّ وأبي سعيد الخدري، وأبي سفيان بن حرب، وأبي ليلى الأنصاري، وأبي هريرة، وعائشة وأسماء بنتي أبي بكر، وأم هانئ، وأم سلمة.. وعدَّ الإمام القسطلاني في المواهب اللدنِّيَّة ستَّة وعشرين صحابيًّا وصحابيَّة رَوَوْا حديث الإسراء والمعراج؛ لذا فهو حديث متواتر مع نصِّ القرآن الكريم عليه في سورتي الإسراء والنّجم).
المعراج في القرآن الكريم

وعلى الرغم من أن بعض العلماء يرى أنّ المعراج لم يثبت في القرآن الكريم على وجه الصّراحة،

فإنه قد أشير إليه في سورة النّجم في قوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) سورة النجم، 13-18.

قال ابن كثير: وقد رأى النّبي “صلى الله عليه وسلم” جبريل عليه السّلام، على هيئته التي خلقه الله سبحانه وتعالى عليها مرّتين؛ حيث كانت الأولى عقب فترة الوحي، عندما كان النّبي “صلى الله عليه وسلم” نازلًا من غار حراء، فرآه حينها على صورته، فاقترب منه، وأوحى إليه عن الله عزّ وجلّ ما أوحى، وإليه أشار الله بقوله: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) سورة النجم، 5-10، والثّانية في ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى، وهي ما أشير إليه في سورة النّجم بقوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى) سورة النجم، 13-148.

هل صعد النبي بجسده أم بروحه؟

جمهور العلماء يرون أنّ الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، وأنّهما كانا في حالة اليقظة بجسده وروحه “صلى الله عليه وسلم”، وهذا ما يدلّ عليه قول الله سبحانه وتعالى في بداية سورة الإسراء: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ)، أي بروحه وجسده.

قال الطبري: ولا معنى لقول من قال: أُسْرِيَ بروحه دون جسده، لأنّ ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلًا على نبوته، ولا حجةً له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشّرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكرًا عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل .

وقال ابن حجر: إنّ الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسده وروحه، وإلى هذا ذهب جمهور من علماء الحديث والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة

تفاصيل الرحلة المثيرة

لم تكن رحلةُ الإسراء والمعراجِ حدثًا عاديًا؛ بل كانت معجزةً إلهيَّة متكاملةً أيَّدَ الله بها نبيَّهُ محمدًا عليه الصَّلاة والسَّلام، ونَصَر بها دعوتَهُ، وأظهَرهُ على قومِه بدليلٍ جديدٍ ومعجزةٍ عظيمةٍ يعجزُ عنها البَشر؛ إذ أسرى بهِ من المَسجدِ الحرامِ في مكَّةَ إلى المسجدِ الأقصى في مدينةِ القدس؛ِ لِيُسرِّيَ عنهُ ما لَقيَهُ من أهلِ الطَّائف، ومن آثارِ دعوتِه، وموتِ عمِّهِ وزوجَتِه، ثمَّ عَرَجَ بِهِ إلى السَّماواتِ العُلى؛ ليريَهُ من آياتِهِ الكبرى، وعن موضِعُ بدايَة الرحلة هناك قولانِ: أوّلهما أن البداية كانت من المَسجِدِ الحَرامِ؛ إذ كانَ رسولُ اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ نَائِمًا فِي الْحِجْرِ، فَكانَت انطلاقةُ الرِّحلةِ من موضِعه، أما القول الآخر فهو أن بداية الرحلة كانت من بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ.

وتبدأ أحداث رحلة الاسراء – كما يرويها صاحِبُها عليهِ أفضَل الصَّلاةِ وأتمُّ التَّسليمِ – بِقدومِ ثلاثةٍ من الملائكةِ الكِرامِ، بينَهم جبريلُ وميكائيلُ، فجعلوا جَسدَ رسولِ اللهِ لِظهرهِ مستقبِلًا الأرضَ وهو نائم، ثمَّ شقُّوا بطنَهُ، فغسَلوا ما كانَ بهِ من غلٍّ بماءِ زمزمَ، ثمَّ ملؤوا قلبَه إيمانًا وحِكمةً، ثمَّ عَرَضَ له لبنًا وخمرًا، فاختارَ الرَّسولُ الكريمُ اللَّبنَ فشَرِبهُ، فبشَّرهُ جبريلُ بالفِطرة، ثمَّ أركبَهُ جبريلُ دابَّةً يُقالُ لها البُراقُ، فانطَلَق بهِ البُراقُ إلى المسجدِ الأقصى يسوقُهُ جبريل، فأنزَلَهُ طيبَةَ، فصلَّى بها، وأخبرهُ ما يكونُ من هجرتِه إليها، ثمَّ أنزلَهُ طورَ سيناءَ؛ حيثُ كلَّمَ الله موسى عليهِ السَّلامُ، فصلَّى بهِ، ثمَّ أنزَلهُ بيتَ لحم مولِدَ عيسى عليهِ السَّلامُ، فصلَّى فيها، ثمَّ دنا بهِ إلى بيتِ المقدِسِ فأنزَلهُ بابَ المَسجِدِ، ورَبَطَ البراقَ بالحلقةِ التي كان يربط بها الأنبياءُ، ثمَّ دخلَ المسجد ليَلتقي أنبياءَ الله المبعوثينَ قبلَه، فسلَّموا عليهِ، وصلّى بهم ركعتَين.

وبعدها تبدأ أحداثُ رحلة المعراجِ بصعودِ الصَّخرة المُشرَّفة؛ إذ سارَ جبريلُ بالرّسول “صلى الله عليه وسلم” إليها، ثمَّ حملَهُ منها على جناحِهِ؛ ليصعَدَ بهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا، ويتجلَّى بها بعدَ أن استفتَح واستأذن، فاطَّلعَ الرَّسولُ على بعضِ أحداثِ السَّماءِ الأولى، ثمَّ ارتقى بهِ جبريل إلى السَّماء الثَّانيةِ، فاستفتحَ، فأُذِنَ لهُ، فرأى فيها زكريا وعيسى بن مريمَ عليهم سلام الله جميعًا، ثمَّ ارتقى به جبريلُ إلى السَّماءِ الثَّالثةِ، فرأى فيها يوسف عليه السَّلام، ثمَّ ارتقى به جبريلُ إلى السَّماءِ الرَّابعةِ وفيها إدريسُ، ثمَّ إلى الخامسةِ وفيها هارون، ثمَّ ارتقى بهِ إلى السَّادسةِ وفيها موسى، ثمَّ إلى السّابعة وفيها إبراهيمُ عليهم صلواتُ الله عليهم جميعًا وسلامه، ثمَّ انتهى بهِ جبريلُ إلى سدرةِ المُنتهى.

تقدَّمَ جبريلُ بالرّسول “صلى الله عليه وسلم” إلى الحِجابِ وفيهِ مُنتهى الخَلق، فاستَلمَهُ مَلَكٌ، وتخلَّفَ عنه جبريل، فارتقى بهِ المَلَكُ حتَّى بَلَغَ العرشَ، فأنطقَهُ اللهُ بالتَّحيَّاتِ، فقال عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: (التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ وَالصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ)، وفيهِ فُرِضت الصَّلاةُ خمسينَ صلاةً على النَّبيِّ وأمَّتِهِ كلَّ يومٍ وليلةٍ.

ثمَّ صَحِبهُ جبريلُ فأدخلهُ الجنَّةَ، فرأى من نَعيمها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ثمَّ عرضَ عليهِ النَّارَ، فَنَظَرَ في عذابِها وأغلالِها، ثمَّ أخرجَهُ جبريلُ حتَّى أتيا نبيَّ اللهِ موسى، فأرجَعهُ إلى ربِّهِ يسألهُ التَّخفيفَ على قومه في الصلاة، فخفَّفَ عنهُ عشرًا، ثمَّ أرجَعهُ موسى فسألهُ التَّخفيفَ، فخفَّفَ اللهُ عنهُ عشرًا، ثمَّ لم يَزلْ بينَ ربِّهِ وموسى حتَّى جَعلَها الله خمسَ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلَةِ، ثمَّ أرجَعَهُ موسى إلى ربِّهِ يسألهُ التَّخفيف، فأعرَض الرَّسولُ عليه الصَّلاة والسَّلامُ عن ذلكَ؛ استحياءً من الله تعالى وإجلالًا، فناداهُ ربُّه: (إنِّي قد فرضْتُ عليكَ وعلى أمَّتِكَ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَالْخَمْسُ بِخَمْسِينَ، وَقَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي).

وبعدها عادَ بهِ جبريلُ إلى مضجَعِهِ، وكلُّ ذلِكَ حدث في ليلةٍ واحدةٍ.

ماذا رأى النبي في رحلة المعراج

من أجمل ما رأى النّبي “صلى الله عليه وسلم” خلال رحلته المباركة نهر الكوثر، وهو النّهر الذي اختصّه الله لنبيّه “صلى الله عليه وسلم” وذلك تكريمًا له، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أنّ النّبي “صلى الله عليه وسلم” قال: (بينما أنا أسير في الجنّة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدرّ المجوّف، قلت ما هذا يا جبريل، قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربّك، فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر) رواه البخاري .

وقد رأى النّبي – “صلى الله عليه وسلم” – الجنّة وما فيها من النّعيم، وفي المقابل رأى أيضًا بعض أحوال النّاس الذين يعذّبون في نار جهنّم، ومنهم من يقعون في الغيبة، والذين يخوضون في أعراض المسلمين، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: (لما عُرِجَ بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟، قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم النّاس ويقعون في أعراضهم) رواه أبوداود. وقد رأى كذلك “صلى الله عليه وسلم” أقوامًا وقد تقطَّعت ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار، فقال له جبريل عليه السّلام: (هؤلاء خطباء أمّتك من أهل الدّنيا، كانوا يأمرون النّاس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون؟) رواه أحمد وصحّحه الألباني.

غادة بهنسي

مواضيع ذات صلة