حين تتحوّل المدارس إلى منصّات “تراند”: بين طيش المراهقة وغياب الثقافة الرقمية…أشرف المذيوب

حين تتحوّل المدارس إلى منصّات “تراند”: بين طيش المراهقة وغياب الثقافة الرقمية…أشرف المذيوب

22 نوفمبر، 20:45

في الأيام الأخيرة، اهتزّت الساحة التربوية في تونس على وقع سلسة من السلوكيات التي تكشف حجم التحوّلات الخطيرة في علاقة التلاميذ بالمدرسة وبوسائل التواصل الاجتماعي. لم يعد الأمر مجرّد خطأ فردي، بل صار ظاهرة جديدة تستحق وقفة وطنية.
بدأت القصة حين أقدم تلميذ على قضاء ليلته داخل معهد، موثّقًا ساعات “المغامرة” بكاملها قبل أن ينشرها على منصة “تيك توك”، ساعيًا إلى إثبات “جرأة” زائفة أمام متابعيه. وما إن هدأت موجة الجدل، حتى انفجرت حادثة أخرى في سوسة، حيث ظهر عدد من التلاميذ يصورون أنفسهم داخل قسم دراسي وهم يأكلون ويتصرفون بشكل عبثي، غير آبهين بحرمة المكان ولا بقدسية الزمن التربوي.
هذه المشاهد لم تُضحك الرأي العام، بل صدمت الكثيرين. لأنها تكشف عن تغيّر عميق في أولويات الجيل الصاعد: لم يعد القيمَ، ولا الانضباطَ، ولا احترامَ المؤسسة التربوية معيارًا…
بل أصبحت الكاميرا هي السيد، و”اللايك” هو الهدف، والتراند هو الغاية.
🔸 قرارات تأديبية… لكنها ليست الحل
أحد التلاميذ نال قرار الطرد من المؤسسة التربوية التي قام فيها بالمبيت، في خطوة رأتها الإدارة ضرورية لإعادة الانضباط ولحفظ هيبة المؤسسة. لكن الحقيقة التي يجب الاعتراف بها هي أن مثل هذه القرارات ليست سوى خط دفاع أول، وليست العلاج الحقيقي.
فالظاهرة أعمق من عقوبة: إنها انعكاس لانهيار الثقافة الرقمية داخل الأسرة والمدرسة.
🔸 جيل يعيش نصفه في الواقع… ونصفه الآخر على الشاشة
ما الذي يدفع مراهقًا إلى النوم داخل معهد؟
وما الذي يجعل مجموعة تلاميذ يحولون القسم إلى مكان للترفيه؟
الجواب ليس بسيطًا، لكنه واضح:
البحث عن التميّز بأي ثمن.
الرغبة في لفت الانتباه داخل عالم رقمي بلا حدود.
انعدام الوعي بخطورة نشر محتوى يسيء لهم وللمؤسسة.
غياب الرقابة الرقمية داخل الأسرة.
ضعف العلاقة بين التلميذ والمدرسة كمكان للمعرفة والانضباط.
إنه جيل يعيش في عالمين متوازيين:
عالم واقعي تُفرض فيه القوانين، وعالم رقمي بلا قيود يشعر فيه المراهق بأنه البطل.
🔸 المدرسة… ليست مسرحًا للفرجة
المدرسة كانت دائمًا رمزًا للانضباط، ومعقلًا لتربية الأجيال.
فأن تتحول فجأة إلى خلفية لفيديوهات “تراند”… فذلك جرس إنذار جماعي.
المدرسة ليست مسرحًا، ليست مقهى، وليست فضاءً للتهريج.
إنها المكان الذي يبدأ فيه المستقبل.
🔸 الحل؟ تربية رقمية… قبل أي عقوبة
لإنقاذ الوضع، لا يكفي العقاب.
ما يحتاجه التلاميذ اليوم هو:
✔ تربية رقمية واضحة
تعليم الطفل والمراهق معنى الخصوصية، المسؤولية، خطورة المحتوى، وحقوق الصورة.
✔ رقابة أسرية ذكية
ليس منع الهاتف، بل فهم ما يفعله الطفل به.
✔ تواصل تربوي حقيقي
مدرس يستمع، وإدارة تفهم، ونظام تربوي يواكب العصر.
✔ صرامة مدروسة
لا هي قسوة ولا هي تراخٍ… بل توازن يحفظ هيبة المدرسة ويُشعر التلميذ بالمسؤولية.
🔶 في النهاية…
هذه الحوادث ليست قصصًا للغرابة، ولا فيديوهات للضحك،
إنها علامات على حاجة جيل كامل لإعادة بناء علاقة صحية مع التكنولوجيا ومع المدرسة.
جيل يحتاج منّا أن نرشده… لا أن نحاكمه فقط.
وأن نفهمه… قبل أن نغضب منه.
فالمستقبل الذي نحلم به يبدأ من القسم،
وهيبته تبدأ من احترامه.

مواضيع ذات صلة