حين يكون العطاء لغة… وتكون المحبّة مكافأة لا تُقدّر بثمن…بقلم: أشرف المذيوب
ليست كلّ المهن سواء. فهناك مهن تُمارَس من أجل راتبٍ آخر الشهر، وأخرى من أجل منصبٍ أو وجاهةٍ اجتماعية… لكن هناك سلكًا واحدًا لا يدخله إلا من يحمل قلبًا استثنائيًا وروحًا خُلقت لتكون في خدمة الإنسان: سلك الحماية المدنية.
هذا السلك ليس وظيفة…
إنه انتماء.
ليس مكان عمل…
إنه قدر.
وليس مجرد لباس ترتديه…
إنه هوية تسري في دمك، وترافقك في كل خطوة، كأنّما خُلقت لتكون جزءًا منك.
وربما أجمل ما نحمله نحن أبناء هذا السلك…
ليس الشارة على الكتف، ولا الخوذة على الرأس، ولا نظرة الشجاعة في أعيننا.
أجمل ما نحمله هو محبّة الناس.
نعم…
يكفينا أنّنا أينما حللنا، نجد قلوبًا تُفتح قبل الأبواب، ونظراتٍ تقول الكثير دون أن تنطق.
يكفينا أنّ شيخًا يتعرّف علينا من بعيد فيرفع يده بالدعاء،
وأن طفلاً يلوّح ببراءته لأنه رأى فينا الأمان،
وأن امرأةً تبتهل لنا لأنها تعلم أننا نسابق الخطر لنحمي أبناءها.
محبّة الناس ليست امتيازًا…
إنها أمانة.
هي العهد الذي قطعناه يوم ارتدينا هذا الزي:
أن نكون حيث تحتاجنا الحياة،
وحيث يختفي الأمل ليعود على أيدينا،
وحيث ينهار كل شيء فنكون آخر من يقف.
لقد تعلّمنا في الحماية المدنية أن البطولة ليست في النيران التي نطفئها،
بل في القلوب التي نُنعشها بالأمان.
وأن أعظم تكريم يمكن أن نحصل عليه…
ليس وسامًا رسميًا،
بل كلمة: “ربي يفضّلكم” من مواطن بسيط يعرف حقيقتنا دون بهرجة.
هكذا نحن…
نمضي لأنّنا نحب الوطن،
ونعطي لأن العطاء طبيعتنا،
ونحظى بمحبة الناس لأننا كنّا دائمًا معهم…
في الحريق، في الفيضانات، في الحوادث، في لحظات الخوف.
كنّا ظلّهم حين غاب الظل،
وصوتهم حين خيّم الصمت،
وسندهم حين اهتزّت الأرض تحت أقدامهم.
يكفينا أنّ الناس تحبّنا.
وهذا وحده يجعل كل تعبٍ يهون،
وكل ليلة سهرٍ تُنسى،
وكل خطرٍ يُواجه بابتسامة رجلٍ يعرف لِمَ اختار هذا الطريق.
الحماية المدنية ليست مجرد سلك…
إنها عشقٌ لا ينتهي.
عشقٌ لا يفهمه إلا من عاشه،
ومن حمل في قلبه محبّة الناس،
وفي روحه شرف الخدمة،
وفي خطواته مسؤولية الوطن.
دمتَ يا سلك الحماية المدنية نبضًا لا يخفت…
ودمنا نحن أبناءك أوفياء،
نحمل اسمك… ونحمل محبّة الناس أينما حللنا.




