“خبر من فلسطين” : إسرائيل تجاوزت الحد…… (ج2)…لبنى حمّودة
حرب 7 أكتوبر والمنعرج الخطير
مع تزايد نفوذ جماعات المعبد بالكنيست الإسرائيلي, عرفت الطقوس التوراتية طرقيها إلى باحات المسجد الأقصى, كالنفخ في البوق خلال مواسم الأعياد اليهودية وإدخال القرابين النباتية, وفي ذروة حرب أكتوبر على غزة قامت الجماعات اليهودية المتطرفة بإدخال أدوات الطقوس اليهودية داخل المسجد الأقصى علنا وتحت حراسة وحماية الشرطة وبتشجيع من بن غفير حتى يضفي الشرعية على تلك الممارسات, ولم يكتف بذلك بل أعلن أن الصلاة داخل المسجد الأقصى باتت مسموحة, كما فرض حصار مشدد على المسجد الأقصى بزرع كاميرات المراقبة وتشديد إجراءات الصلاة فيه, واعتقال المصلين والعاملين والتحقيق معهم وإبعادهم بالأشهر عن المسجد الأقصى.
وفي سابقة قام الكنيست الإسرائيلي يوم 18 جويلية بالتصويت بأغلبية ساحقة على مشروع قرار يرفض إقامة دولة فلسطينية, وجاء في نص القرار:” أن إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل سيشكل خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها”.
كما اعتبرت جماعات المعبد أن معركة غزة هي معركتهم الحاسمة, واسمتها ب “معركة المعبد”, واعتبرت أن انتصار الجيش الإسرائيلي هو انتصار لهم ووضع حجر الأساس لمشروع المعبد الثالث, حتى إن تصريحاتهم المتطرفة تجسدت انفجارات في غزة, فالجنود التي تنتمي إلى تلك الجماعات عبثت بمساجد غزة و مقدسات المسلمين كما لم تعبث يوما, من هدم للمساجد من وضع لرايات الجماعات المتطرفة, من رسم على الجدران للمعبد الثالث قبل التفجير, من فيديوهات منتشرة لهم وهم يعبثون بمقدسات مليار ونصف مسلم.
أما المنعرج الخطير فهو تكريس التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى, وذلك عبر تأمين المقتحمين المتطرفين من اليهود للمسجد, وتوسيع أوقات الاقتحام, وتأمين الانفراد التام للمقتحمين بالساحة الشرقية للمسجد, حتى باتت أقرب لكنيس غير معلن تقام فيه الطقوس التوراتية, وفي خطوة جريئة, وفي تعد صارخ على كل المواثيق الدولية واتفاق “الوضع الراهن” أقدم النائب الإسرائيلي بالكنسيت عميت هاليفي على تقديم مسودة لمقترح قانون تقسيم الأقصى مكانيا بين المسلمين واليهود, يتضمن التخطيط تخصيص محيط مصلى القبلي فقط للمسلمين, في حين تكون قبة الصخرة المشرفة حتى الحد الشمالي من المسجد لليهود, وقد تم البدء بالتنفيذ قبل حتى عرضه على التصويت, فقد اغتنمت إسرائيل فرصة الحرب على غزة والصمت الدولي والعربي الإسلامي المطبق لتفتح أبواب الأقصى لليهود للصلاة فيه, وتغلقه في وجه المقدسيين, وكل مسلمي فلسطين المحتلة, فقد شددت في إجراءات دخول المصلين إلى المسجد الأقصى, وحددت أعمار المسموح لهم بالصلاة, ووضعت حواجز ونقاط تفتيش للتضييق على المصلين يوم الجمعة, حتى أصبح عددهم لا يتعدى ال3 آلاف بعدما كان يصل إلى 50 ألفا قبل الحرب, ولم يشهد المسجد الأقصى خلال شهر رمضان تراجعا في عدد المصلين كما في حدث بعد حرب أكتوبر, وفرغت ساحات المسجد بعد أن كانت تضج بمئات الآلاف من المصلين, وبدا كئيبا مقفرا, وتغيرت ملامحه بصور لطقوس توراتية لم نشاهدها يوما.
أين منظمة التعاون الإسلامي من كل ما يحدث في المسجد الأقصى, ومن العبث بمقدسات الأمة الإسلامية ؟ لماذا أسست ومتى؟ لقد تم إعلان تأسيس منظمة التعاون الإسلامي خلال مؤتمر القمة الإسلامي في 23-25 سبتمبر سنة 1969 بعد حادثة حرق المسجد الأقصى على يد متطرف يهودي أسترالي الجنسية, منذ ذلك الحين و بيت المقدس يدنس ويهوّد تدريجيا ومنظمة التعاون الإسلامي فقط تشجب, أن جماعات المعبد تتقدم بخطى ثابتة نحو بناء المعبد الثالث مكان المسجد الأقصى, وتصريح بن غفير الأخير الذي كشف فيه عن عزمه بناء كنيس داخل الأقصى هو إضفاء الصبغة الرسمية لا غير, فمنذ أن أعلنت ذلك جماعات المعبد منذ التسعينيات, وهي تحقق النجاح تلو الآخر, وها هي اليوم قاب قوسين أو أقل, لقد منعت منذ شهرين المصلين المسلمين من جنسيات بريطانية من الصلاة في المسجد الأقصى, واقتصر دخولهم في أوقات المحددة للسياح بمعنى أنها سحبت من كل المسلمين الحق الديني في الصلاة بالمسجد الأقصى وهذا خطير جدا, كما أن الحفريات التي لم تتوقف يوما, ومنع الترميم جعل المسجد الأقصى عرضة للانهيار, من جانب آخر حرصت الحكومة الإسرائيلية بقيادة بن غفير على دخول المستوطنين والسماح لهم بالصلاة في المسجد تحت الحراسة, حتى نألف يوما بعد يوم المشهد, وأصبحنا نسمع عن مصطلح كنس يهودي معنوي في باحة الأقصى, لقد نجحت إسرائيل في جعل قبلة المسلمين الأولى وثالث مقدساتهم شبه مقفرة, يرحب فيها باليهودي ويطرد منها المسلم, كل ذلك يحدث علنا ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق الدولية و كل المعاهدات و التفاهمات و الاتفاقيات و إزاء كل ذلك تستمر منظمة التعاون الإسلامي في لعب دور المتفرج غير المعني بما يحدث للمسجد الأقصى, 57 عضوا في المنظمة التي تأسست للذود عن المسجد الأقصى ولا إجراء واحد يحرر الأقصى الجريح, وفي مفارقة عجيبة يطالب حاخامات بإرجاع “الوضع الراهن” للواجهة ومنع المتطرفين اليهود من الصلاة بالمسجد الأقصى, و نقرأ ليائير لبيد زعيم المعارضة قوله “إن تصريحات بن غفير المتكررة تظهر أن نتنياهو فقد السيطرة على حكومته, ونشاهد تصريحات لخمس حاخامات يهود عبر تقنية الفيديو يدينون فيه صلاة المتطرفين بالمسجد الأقصى, ولم نسمع صوتا عربيا مسلما عاليا مدويا باتجاه حكومة المتطرفين وكبيرهم الذي علمهم السحر نتياهو.
متى تغضب؟ متى تغضب أمة المليار ونصف؟ لم نكن يوما في مثل هذا الضعف والخنوع؟ يستباح دمنا في كل مكان, وها هي مقدساتنا تدنس وتستباح ولا نحرك ساكنا, لسنا كذلك وتاريخنا يشهد, أجدادنا علت راياتهم, وغزوا وهزموا الروم والفرس فما بالنا ؟ نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم نحن أحفاد عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وهارون الرشيد نحن أحفاد طارق بن زياد وعقبة بن نافع وصلاح الدين الأيوبي من منا لم يقرأ وهو صغير قصة نقفور حينما لم يتأدب في خطابه لهارون الرشيد؟ بعث نقفور الأول إلى الخليفة رسالة تخلو من اللباقة والاحترام يبلغه فيها بتوقفه عن دفع الجزية: “من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد فإن الملكة إيريني التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البَيْدق، فحملت إليك من أموالها، ما كنت خليقًا بحمل مثله إليها، ولكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتدِ نفسك بما يقع به المبادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك.”غضب الرشيد غضباً شديداً لدى قراءته رسالة نقفور فما كان منه سوى أن نص جواباً مقتضباً على ظهر رسالة نقفور وبعثه مع نفس الموفد الذي حمل الرسالة “بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون الرشيد أمير المؤمنين، إلى نقفور كلب الروم.قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه لا ما تسمعه. “