صفاقس أو مدينة الأرخبيلين بقلم فوزي الديماسي
دخلت المدينة دخول المحب المريد ، وكانت فضاء منقسما إلى أرخبيلين ، أو قسمين متعانقين ، لا فتور بينهما تراه ، ولا نفور يفصل “الأرخبيلين” تدركه.
نصفان منصهران ، متكاملان، متعانقان ، يشهدان في صمت بهي على وجاهة تلك الديار ، وعمق تجذرها في التاريخ والحداثة معا.
هي مدينة أنيقة بساحاتها الفسيحة ، وأسوارها الشامخة المتعالية ، ومبانيها العتيقة فرنسية الهوى، ومساجدها المتطاولة مآذنها من وراء السور في البنيان ،والباعثة في العين جمالا لا يضاهيه جمال. فينتاب النفس شعور بالغبطة ، وهي تعانق لأول مرة جلالة الأسوار وروعة مبنى البلدية البديع العتيق والمباني الحافة به.
وبين صومعة البلدية ومآذن المدينة العتيقة حديث عشق شفيف ، كأنه النجوى ، لا تدركه الأبصار ، بل تدركه البصيرة، حين تسترق العين السمع لهمس الحديث بين معمار قديم متجذر ، وآخر معاصر متطور .
فلقد صدق من أطلق عليها اسم عاصمة الجنوب، بل هي عاصمة البلاد قاطبة، أو تكاد.
فلقد اجتمع على أرضها وبين أحضانها التاريخ والبحر والحداثة في تناسق يحكي وجاهة تبعث في الوجدان لذة للناظرين.
وقفت عند باب الجبلي أتهجى عراقة البلد ، وعلى يمين الداخل وشماله وقف باعة الخبز يعرضون بضاعتهم.
توغلنا في الأسواق والأزقة ، وعلى يميننا ،وعلى شمالنا اصطفت دكاكين صغيرة ، متزاحمة ، متلاصقة ، متراحمة تعرض أقمشة وعطورا وملابس تقليدية ، تقف على جانبي مسالك ضيقة لا تكاد تتسع للمارة جميعهم ، تشقها من حين إلى آخر عربة محملة بالبضاعة يجرها رجل ، ويدفعها من الخلف آخران ، وقد أطلق الرجل صوته كالمنبه ” امشي شوية.. وسع الثنية يرحم والديك”. هندسة بديعة تذكرك بهندسة المدينة العتيقة وأزقتها وخاصة الأنهج القريبة من ساحة الحكومة بالقصبة في تونس العاصمة. أزقة متعددة ، متفرعة ، ذات منحدرات ، تزينها أبواب عتيقة لدكاكين، ومساجد ، وكتاتيب ، ومطاعم تقليدية وقف أمامها خلق كثير لتناول أكلة “السفود” ، أو أكلة السمك.
حتى المساجد ، ومآذنها مثل “الجامع الكبير” فقد كانت مختلفة عن كثير من المساجد في الجمهورية التونسية من حيث البناء والهندسة ، ويلوح الجامع الكبير من بعيد، وكأنه من فئة الحجارة الكريمة تضيء ما حولها
-يتبع-