ضمير بثمن التراب … بقلم أحمد الحباسى
بعد الثورة كسدت السياحة و الفلاحة و كثير من مواقع الإنتاج و مع ذلك و بالمقابل ازدهرت تجارة غير مسبوقة على الساحة السياسية التونسية تفتق ذهن بعض الظرفاء على تسميتها بتجارة ” السياحة الحزبية ” و ككل تجارة هناك بضاعة و بائع و مشترى و ثمن ، عن البضاعة فهي طبعا سيادة الضمير و من سواه و عن البائع فهو هذا الكائن الذي يتمتع بثقة الآلاف من الناخبين المغفلين من هذا الشعب المطحون و عن المشترى نحن نتحدث عن بعض مناطق الفساد و عن الثمن فقد حدّد رجل الأعمال المثير للجدل السيد البحري الجلاصى في حديث إعلامي أسال كثيرا من الحبر الثمن الافتتاحي لضمير النائب المعروض للبيع بما لا يقل عن خمسين ألف دينار تدفع نقدا و عدّا بمجرد القبول و الإيجاب ، طبعا لا يجب التعميم لان لكل قاعدة استثناء و لكن من الثابت أن انتقال النائب السائح من حزب إلى حزب آخر لم يكن لوجه الله و دون أغراض منفعية معلنة أو خفية .
ربما هناك من استفزته تجارة السياحة الحزبية معتبرا أن التصويت للنائب هو تصويت لضميره بحيث تصبح عملية البيع باطلة قانونا لأنها تمثل جريمة بيع ما لا يملك أو نوعا من التفريط في معقول في أدنى الحالات ، مع ذلك برز لدى بعض الفضوليين سؤال عن السعر أو ثمن بيع المبادئ و ثمن بيع الضمائر و ثمن نكث الوعود الانتخابية إلى غير ذلك من الأثمان ، سؤال لاحق ينتقد تصريحات بعض هؤلاء ” القشارة ” حول حلفهم بأغلظ الأيمان بأنهم لن يخونوا إرادة الناخب و أن ” مبادئهم” ليست للبيع أو المبادلة بل هناك من تزيّد بفعل النرجسية والغرور بكونه يستهجن طرح السؤال من أساسه ، مع ذلك تثبت الوقائع أن لكل شيء في هذا العالم ثمن لأننا نعيش للأسف في عالم استهلاكي مرعب شرس يتغذى بالأساس من بيع الضمائر و تجارة خذ و هات ، نحن نسمع أحيانا عن جرائم خيانة الأمانة و لكن هل علينا مستقبلا أن نطالب كل مرشح في انتخابات قبل أن نمنحه الصوت بتعهد خطى بعدم بيع ضميره ، حقا أن الواحد منا يعيش زمنا أسود اختلطت فيه الألوان و سقطت فيه كل الأقنعة بل لنقل من باب الاحتراز بعضها على الأقل.