عندما يتحول عيد الإضحى من فرحة إلى كابوس…الناصر  البحري

عندما يتحول عيد الإضحى من فرحة إلى كابوس…الناصر البحري

7 جوان، 22:00

عيد الإضحى كان مناسبة يسعد لها التونسيين في علاقة بالابعاد الدينية للمناسبة ودلالاتها ورمزيتها وكذلك في علاقة بما يرافقها من عادات إجتماعية وقيم تضامنية دون الحديث عن إشباع نهم التونسيين من اللحوم والمشاوي التي قل وجودها في مائدة التونسي خلال سائر ايام السنة.
لكن هذه السنة تحولت المناسبة إلى كابوس لغالبية العائلات في علاقة باسعار الأضاحي واللحوم الحمراء التي وصلت الى مستويات قياسية هذه السنة ومرشحة لمزيد الإرتفاع.بشكل لا يتماشى مع المقدرة الشرائية لغالبية التونسيين….
في هذا الإطار، يجدر التوضيح أن الأزمة ليست مفاجئة وليست ظرفية، فأسعار اللحوم الحمراء، ولحم العلوش تحديدا، شهدت ارتفاعا متواصلا وسريعا على إمتداد الخمس سنوات الماضية بمعدل ارتفاع سنوي لا يقل عن 10 دينارات.
يكفي التذكير ان سعر كلغ من لحم العلوش كان 14 د سنة 2010، 19 د في 2015 و23 د في 2020، ثم 40د في 2022 وصولا ل 60 د في 2025، والسعر مرشح لمزيد الإرتفاع….
الحقيقة، ان الأزمة هيكلية وتشمل منظومة وكلفة الاعلاف، حجم وتركيبة القطيع وتقنين التصرف فيه ونظام الحوافز لصغار الفلاحين والمربين….
في المقابل، السؤال الذي يطرح، ماذا فعلت الدولة في ازمة ظهرت بوادرها منذ خمس سنوات لتفادي إشتعال الأسعار، ماهي الإجراءات التي إتخذت لإستباق الازمة، لتعديلها وتفادي الوصول لهذه الوضعية، هل تم تطوير منظومة الاعلاف والدعم لتوفيرها بكلفة معقولة، لا، هل تم تقنين الذبح العشوائي وتحجير ذبح الفطائم لضمان تجديد القطيع، لا، هل تم إتخاذ إجراءات لمقاومة تهريب القطيع إلى الجزائر، لا، هل تم إقرار حوافز مالية للفلاحين وصغار المربين، لا، هل قامت الدولة بتعديل العرض عبر تربية اعداد كبيرة في ضيعاتها الفلاحية المهجورة، لا….
رغم ان الأزمة تشكلت منذ سنوات، فقد إقتصرت الدولة على حلول ترقيعية وقتية، على غرار الإكتفاء باستيراد كميات من اللحوم المجمدة، في بعض المناسبات، ولا يشاهد لها التونسي أثرا في الواقع والأسواق، أو على حلول زجرية مثل التسعير الذي يستحيل تطبيقه في الواقع أو مراقبة عدم تطبيقه كما حصل في مواد أخرى كالموز، الذي يباع بثلاثة دنانير في فرنسا ويصل إلى ستة أضعاف في تونس بينما الكلفة عند التوريد هي نفسها… إذا لماذا الإستغراب، اذا كانت الأزمة قائمة منذ سنوات، ولم تقابل بإجراءات،
النتيجة اليوم، وهي طبيعية، ليست مجرد غلاء أو ارتفاع في الاسعار، بل ان اللحوم الحمراء لم تعد متاحة لغالبية التونسيين في علاقة بمقدرتهم الشرائية، والاسعار قد تصل للسبعين أو المائة دينار قريبا، فهل هذا معقول….
المشكلة الحقيقية في تأخر الإصلاحات الهيكلية ، في غياب التشخيص الشمولي للمشكلة في جميع ابعادها ومكوناتها ومسبباتها، وفي غياب اساسيات وبرامج لترسيخ الحلول المستدامة، حتى الجزر والرقابة لم تقدر عليها في غياب الإمكانيات اللوجستية البشرية فالعدد الجملي للمراقبين الأقتصادين في جميع القطاعات والمنتوجات وعلى كامل البلاد لا يتجاوز المائتي مراقب، وهو عدد لا يسمح بمراقبة الأسعار في ولاية واحدة،
اليوم عديد الأصوات تحاول مسح ما حصل في وزيري الفلاحة والتجارة، ومؤكد أنهما يتحملان جزءا مما حصل خلال هذا العيد، لكن المسؤولية اشمل من ذلك بكثير،

مواضيع ذات صلة