
غمزة المطبخ التونسي في الأزمات : كيف تغيّرتْ عادات الأكل مع غلاء الأسعار.
قديما كان التونسي يفرّق بين “كسكسي الجمعة” و”مقرونة الاثنين” و”شربة البارح”. اليوم، صارت الأطباق كلها تتشابه … والكسكسي اللي كان بالهبرة أصبح بالأساس كسكسي بالخُضرة …
اللحم هو الآخر أصبح “كائنا نادرا” يطلّ على الموائد في المناسبات الكبرى فقط، وكأنه ضيف شرف .. حتى الدجاج، الذي كنا نسميه “لحم الزواولة”، رفع سعره هو الآخر وصار ينظر لنا من وراء زجاج المحلات ساخرا وكأنه يقول: “ربي معاكم وربي يصبّركم” …
في الماضي كانت “المرقة الحمراء” تغلي بالقرع والطماطم والحمص… أما الآن فقد تحوّلت إلى “مرقة تأملية”، تجلس العائلة حولها لتتأمل البخار أكثر من الأكل نفسه. والـ”مقرونة” التي كانت وجبة الكسالى في آخر الشهر، أصبحت اليوم الطبق الوطني الأوّل على طول الشهر، بتوابل مختلفة لعلها تُخفي حقيقة أنها نفس “المقرونة” ولكن بأقنعة متنوعة …
أمّا الزيت… ذاك الذهب السائل الذي كنا نستهين به، فقد صار يُستعمل بالقطّارة وكأنه دواء نادر! والمواطن يفتح قارورة الزيت مثلما يفتح رسالة غرامية… بحذر وشغف وخوف أن تنتهي سريعًا .. والبصل صار “ملك الخضر” بلا منازع: تجده في كل وصفة، حتى لو لم يُدعَ إليها …
المطبخ التونسي، الذي كان لوحة عامرة بالألوان والروائح، صار اليوم أقرب إلى “لوحة مسرحية”: كثير من الحركة والضجيج… ووجبة صغيرة في النهاية .. لكن رغم ذلك، يبقى فيه شيء لا يُشترى: لمّة العائلة .. والنكتة الحاضرة التي تجعل الفقر أخفّ وطأة …
ووسط كل هذا الواقع المر يضحك التونسي ساخرا ويقول: “المهم خبزنا مخبوز” .. فالخبز هو المادة الوحيدة التي حافظتْ على سعرها المنخفض .. لإسكات البطون والأفواه في هذا الوطن.
إلياس القرقوري
إعلامي وكاتب صحفي