في غزة جثث تتبخر وأخرى تنهشها الكلاب…لبنى حمودة
أيام قليلة وتبدأ الاحتفالات بحلول سنة إدارية جديدة, وتتلألأ الألعاب النارية في سماء العديد من دول العالم, إلا في غزة الغارقة في الظلام, فلا تضيء سماؤها إلا إثر انفجارات ناجمة عن أسلحة محرمة دوليا, والتي باتت ألعابا في يد جنود الاحتلال الإسرائيلي طائرات مسيرة, على بالونات حرارية, على ربورتات مفخخة, على قنابل المطرقة, فلا يشع النور فيها إلا مصحوبا بموت كلما انفجر صاروخا في بيت أو مدرسة أو خيمة أو مستشفى. أياما قليلة وتطل سنة إدارية جديدة والقتل مستمر والحصار مستمر والعطش مستمر والجوع مستمر أكثر من 444 يوما وغزة تستغيث فهل من مغيث؟.
علف الحيوانات للاستهلاك البشري في غزة
أعلنت أوكسفام (منظمة خيرية دولية مستقلة في مجالي الإغاثة والتنمية) في بيان لها يوم الأحد 22 ديسمبر أن القوات الإسرائيلية تمنع بشكل ممنهج وصول المساعدات للمدنيين, إذ لم تسمح على مدار 75 يوما إلا بمرور 12 شاحنة فقط تحمل الماء والغذاء إلى شمال القطاع. وذكرت أن المنظمات الدولية تلقت مطلع الشهر الجاري استغاثات من محاصرين في شمال غزة في المنازل والملاجئ بعد أن نفذ لديهم الطعام والماء.
وحسب برنامج الأغذية العالمي, فإن المواد الغذائية الأساسية ارتفعت بنسبة 1000 في المائة مقارنة بمستويات ما قبل الحرب, ارتفاع جنوني في الأسعار أدى إلى البحث عن بديل للدقيق, فكان علف الحيوانات, الذي أقبل السكان في شمال القطاع على شرائه واستهلاكه للبقاء على قيد الحياة, وأمام تعنت الاحتلال الإسرائيلي ومضيه قدما في منع إدخال المساعدات ومصادقة الكنيست على قانون يحظر أنشطة وكالة الأونروا داخل إسرائيل وآخر يمنع السلطات الإسرائيلية من القيام باتصالات مع الوكالة, اعتمدت منظمة الأمم المتحدة يوم الخميس 20ديسمبر قرارا يطلب رأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية حول الالتزامات الإنسانية لإسرائيل حيال وجود أنشطة الأمم المتحدة بما في ذلك الهيئات والمنظمات التابعة لها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في شمال القطاع العربدة الإسرائيلية متواصلة والمستشفيات تحت خط النار
منذ أكثر من 80 يوما والمستشفيات في شمال القطاع محاصرة, وتتعرض لأبشع الممارسات اللاإنسانية, فقد تم إجلاء المستشفى الإندونيسي, وإجبار الجرحى على التوجه نحو غزة سيرا على الأقدام , أما مستشفى كمال عدوان, فقد تعرض لعدة هجمات, وتم إصابة 20 شخصا بين مرضى وإطار الطبي مع منع لدخول الطعام والماء, كما وقع استهداف خزانات المياه والوقود ومحطات الأكسجين, ويرسل يوميا الدكتور حسام أبو صفية مدير المستشفى استغاثات لحماية حوالي 400 شخص بين مدنين ومرضى وإطار طبي, كما لم يسلم مستشفى العودة من القصف المدفعي العنيف في محيطه قبل أن يتم استهداف كامل الطابق الثالث.
إن ما يحصل في غزة لا يمكن أن يصدر عن مؤسسة عسكرية, بل ميلشيات مسلحة, منظمات إرهابية,مجرمين مصنفين خطر, ربما حتى مختلين عقليا, وإلا بماذا نفسر مشاهد مصورة في فيديو نشره أحد الجنود الإسرائيليين عن عملية تحضير لتفخيخ أحد المنازل على أنغام أغنية “يالا تنام”, ثم يظهر العد التنازلي يليه انفجار المسكن وحركات بهلوانية للجندي كتعبير عن سعادته بما أجرم ؟؟ إننا نتساءل ما هو تصنيف مثل هذه الأفعال في عالم الجريمة؟ لأن ما نراه تعدى بمراحل الجريمة المتعارف عليها وحتى الإبادة الجماعية الكلاسيكية, نحن أمام نوع مبتكر من الإجرام, نعجز عن إيجاد وصف دقيق له.
غزة تحولت لحقل تجارب, جثث تتبخر بعد الاستهداف المباشر
أمام صمت العالم, تحولت غزة إلى حقل تجارب, فليس هناك سلاح محرم دوليا إلا ووقعت تجربته على سكان القطاع, آخرها نوعا مبتكر من الأسلحة تختفي بعد الإصابة المباشرة به الجثث وتتبخر, فقد أفاد الدكتور محمد المغير مدير الإمدادات في الدفاع المدني في لقاء صحفي, أن الحرارة العالية التي تنبعث من الأسلحة عند وقوع الانفجار, تحول الأجساد الواقعة في عين الاستهداف, وتحيلها إلى ذرات صغيرة لا ترى بالعين المجردة, وتتطاير وتذوب في الهواء والتربة, فهل هناك ما هو أفظع؟, أما بالنسبة للجرحى الناجين من الاستهداف المباشر, وحسب شهادة الدكتور محمد الريان رئيس قسم الطوارئ والاستقبال في مستشفى شهداء الأقصى في تصريح صحفي له, فقد ذكر أن الجروح ينبعث منها الدخان, ويستمر تصاعده لساعات, وفي اليوم التالي يلاحظ الأطباء أن الجزء المصاب يبدأ في الذوبان والتبخر.
كلاب ضالة تنهش جثامين الشهداء في غزة وما خفي أعظم.
نكاد نجزم أن ما يصلنا من أحداث في غزة لا يتعدى ال10 في المائة مما يحصل هناك, وأن 90 في المائة من الاعتداءات والفضاعات لم تصلها كاميرات الصحفيين, بما أن إسرائيل تمنع وتهدد وترهب وتقصف وتقنص كل صحفي ومصور ومراسل وناشط على شبكات التواصل الاجتماعي, كلهم في دائرة الاستهداف حتى لا يحدث سفكها لدماء الأبرياء ضجيجا, وفي تلك ال10 في المائة خلال أكثر من 444 يوما منذ بدء الحرب, رأينا عجبا آخرها هذه الأيام, فقد كثرت الاستغاثات من أهالي القطاع يطالبون المجتمع الدولي بالتدخل, للسماح بدفن جثث الموتى الملقاة على قارعة الطريق, تنهشها الكلاب الضالة وحسب شهود عيان, فإن الكلاب الأليفة الجائعة والكلاب الضالة, التحمت في مجموعات تجوب الشوارع, وتنهش الجثث التي لا يسمح الجيش الإسرائيلي بالاقتراب منها, وكل من حاول, وقع ضحية الكواد كابترأوالقنص المباشر, وحتى القبور لم تسلم هي الأخرى, فالجثث التي تدفن على عجل على أمل العودة بعد الحرب لاستخراجها, تصلها الكلاب والقطط وتنهشها, في مشاهد مأساوية تندى لها جبين الإنسانية.
إن أكثر ما نخشاه, هو استمرار الصمت الدولي حيال ما يحدث من فظاعات في غزة من قتل وتجويع وإجلاء واعتقال وتنكيل, وإن أكثر ما تحتاجه غزة الآن هو وحدة الصف الفلسطيني, وجبهة عربية قوية تقوم باتصالات مع دول النفوذ الدولي لممارسة الضغط على نتنياهو والدفع باتجاه التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار الذي بات ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى.