في مسألة عداوة أمريكا وشماتة الشامتين…مصطفى عطية
.أتفهم، في البدء، أن يصب العرب والمسلمون جام غضبهم ونقمتهم على أمريكا، بسبب السياسات التعسفية لأنظمتها المتعاقبة منذ ثمانين سنة على الأقل. فهذة الأنظمة الخاضعة، سياسيا وماليا وإعلاميا، للوبيات الصهيونية والإنجيلية النافذة، أعلنت الحروب على العديد من البلدان العربية والإسلامية ودمرتها ونهبت ثرواتها وشردت سكانها، كما عارضت أغلب قضاياها العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ودعمت أعداءها ومحتلي أراضيها، لكن توجد نقاط هامة جدا يجب التوقف عندها بكثير من التمعن والتبصر والعقلانية والموضوعية والنزاهة، وهي كالآتي:1- الأنظمة الأمريكية، وإن كانت، حسب الآلية الديمقراطية المعتمدة، تمثل الشعب الأمريكي، فإنها، في الحقيقة والواقع، لا تتصرف طبقا لمواقف كل الشعب الأمريكي، الذي تتضمن تركيبته الديمغرافية حوالي أربعة ملايين مسلم وعددا كبيرا من العرب.2- عندما بقيت الشعوب العربية، بٱستثناء النزر القليل من أبنائها، عاجزة، مستسلمة، راكدة، تجاه ما يحدث في فلسطين المحتلة، كان مئات الآلاف من الأمريكين، بمختلف أديانهم وأعراقهم، يتظاهون في الشوارع نصرة لفلسطين، وبعضهم حرق نفسه إحتجاجا، وحين كانت الجامعات الأمريكية تغلي كالمرجل وطلابها معتصمين في باحاتها، في تحد للسلط وأجهزتها الأمنية القمعية، كانت الجامعات العربية في سبات عميق وطلابها ينعمون بالهدوء وراحة البال واللامبالاة، ولما كانت بعض الكنائس، الكاثالوكية بالخصوص، تندد بقتل الأطفال والنساء بالأسلحة الأمريكية، وجد الكثير من أئمة المساجد في بلاد العرب والمسلمين منسوبا كبيرا من الصفاقة وٱنعدام الحياء لتحريم مساندة الغزاوين واللبنانيين واليمنيين.3- عندما رفعت الأعلام الفلسطينية في المظاهرات الحاشدة بالمدن والجامعات وحتى الملاعب الأمريكية، كانت القوات الأمنية للعديد من الأنظمة العربية والمسلمة تقبض على كل من يرفع العلم الفلسطيني فتأسره وتنكل به، ولما كان المتظاهرون الأمريكيون يطوقون السفارة الإسرائيلية في واشنطن وقنصلياتها في نيويورك وكاليفورنيا، كانت قوات الأمن والجيش في عديد البلدان العربية تطلق النار على كل من تخول له نفسه الإقتراب من السفارات الإسرائيلية المنتصبة في عواصمها.لا يعني هذا ان جميع الأمريكيين كانوا بهذا الحس الإنساني، وبهذا التعاطف مع قضايانا العادلة، كما أنه لا يعني أن الأمريكيين المتعاطفين مع العرب والمسلمين يمثلون ثقلا مهما وحاسما، ولكن يجب الإعتراف بأن هذه الأقلية الأمريكية كانت أكثر مروءة وشجاعة وفاعلية، وٱنتصارا للحق العربي من غالبية الشعوب العربية والإسلامية ذاتها.4- ماذا قدم الشامتون في الأمركيين الذين طوقتهم الحرائق، للفلسطينيين واللبنانيين واليمنين والسوريين ؟ هل تظاهروا من أجلهم؟ هل قدموا لهم الدعم؟ هل إنضموا إلى صفوف مقاوميهم؟ لا شيء من هذا القبيل، إذن، هل لهم، من هذا المنظور، الحق في ٱتهام الآخرين بالتقصير في نصرة العرب والمسلمين المظلومين؟لا أدافع عن أمريكا، فنظامها عنوان الغطرسة والظلم والعداء وقهر الشعوب وٱستنزاف مقدراتها، ولست أنا الذي سيدافع عن هذا البلد ذي العقيدة الإستعمارية، ولكن إذا لم يقم العرب والمسلمون بالدفاع عن قضاياهم فلن تقوم أمريكا بفعل ذلك عوضاً عنهم، كما لن تضرها شماتة الشامتين وحقد الحاقدين، بل بالعكس ستزيد أنظمتها غلا وعدوانية، كما ستجعل الكثير من الأمريكيين المناصرين للقضايا العربية يتراجعون عن مواقفهم بعد أن شملتهم الشماتة.