قراءة في بيان الاتحاد العام التونسي للشغل : بين العجز والارتباك

قراءة في بيان الاتحاد العام التونسي للشغل : بين العجز والارتباك

3 أكتوبر، 21:21

بيان الاتحاد العام التونسي للشغل الصادر على اثر اعتراض العدو الصهيوني لاسطول الصمود ليس سوى مرآة تعكس حال البيروقراطية النقابية التي أضاعت بوصلة الفعل وركنت إلى البلاغات العامة واللغة الباردة. فبقدر ما كان الحدث استثنائيا وخطيرا حيث كان أحرار السفن مواجهة مباشرة مع آلة الحرب الصهيونية، جاء بيان الاتحاد ليكتفي بعبارات التنديد والعموميات، متجنبًا تسمية الشريك الأول في الإبادة، الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تكتف بالدعم للكيان بل شاركته في صناعة الحرب وتمويلها وتسليحها وحمايتها سياسيا في كل المحافل. إن تغييبها من البيان ليس سهوًا بل اختيار واعٍ يكشف حدود جرأة الاتحاد وميله إلى الحسابات الضيقة
وفي الوقت الذي حيّى فيه الاتحاد النقابات الإيطالية على قرارها بالإضراب تضامنًا مع غزة، بدا وكأنه يعلّق على بطولة الآخرين ليغطي عجزه (تتفاخر النعجة بليّة العلوش), وهو تحت قيادة منقلبة تاجرت لسنوات بالقضية الفلسطينية دون أن يترجم ذلك إلى خطوات نضالية جدية. لقد تحول الاتحاد من موقع الفعل إلى موقع المتفرج، يصفق للمبادرات الخارجية بدل أن يكون هو المبادر والقائد الطبيعي للتحركات الشعبية.
ولم يقف العجز عند هذا الحد، فالبيان في خاتمته يهيب بالشغالين وعموم الشعب للتظاهر، وكأن الاتحاد مجرد متفرج يطلب من غيره النزول إلى الشارع. إن الاتحاد الذي كان مدرسة في تأطير الجماهير يقف اليوم عاجزًا عن المبادرة، متخليًا عن دوره في قيادة المظاهرات التي كان ينبغي أن تنطلق من مقراته وتُدار بأطره النقابية، لولا ما أوصلته القيادة المنقلبة إلى حالة من الوهن والتشتت.
البيان بمجمله فضفاض، يعج بالإنشائيات ولا يقدم خطوة عملية واحدة، لا دعوة لإضراب وطني سياسي ولا مقاطعة اقتصادية ولا ضغط سياسي جاد، ولا حتى موقف واضح من الدولة التونسية بقطع العلاقات أو اتخاذ إجراءات فعلية مع الداعم الاول للكيان الصهيوني وهو الولايات المتحدة المريكية . إنه بيان لا يختلف كثيرًا عن بلاغات الصادرة عن الاتحاد منذ الانقلاب ، يفتقد حرارة الميدان وروح الاتحاد الذي عرفه العمال يومًا في الصفوف الأمامية للمعارك الوطنية والقومية.

إن هذا البيان لا يدين العدو بقدر ما يدين الاتحاد نفسه. فهو شاهد على انحدار القيادة الحالية إلى موقع المتفرج، مكتفية ببلاغات تزيّن مواقف الآخرين وتخفي عجزها عن الفعل. لقد تحوّل الاتحاد إلى ظل باهت لتاريخه، وترك الساحة خالية لغيره بينما كان من المفترض أن يكون في المقدمة، يقود ولا يتوسل، يواجه ولا يوارب، ويكتب التاريخ بالفعل لا بالبيانات الفارغة.
محمد خلف الله

مواضيع ذات صلة