كبّر الصورة : لا تقل يا رب عندي همّ كبير ولكن قل يا همّ لي ربّ كبير ..رياض يعيش
ما يزال دوار كلمات رجل طاعن في السن تحيط بسمعي وبصري. لقد مرّ أمامي وزفر زفرة قوية وصاح: ” ما يسمعني حد…ما عاد يحبني حد…راني مش تهبل !!!” وحين عدت إلى بيتي تأملت مكتبتي…
وعلى نحو مفاجئ انتبهت إلى ورقة منتصبة على سطح مكتبي وكأنها تناديني، تقول الورقة: كان صوت البائع الجوال يصدح في أرجاء الحيّ : “يلّي عندو سعادة .. يلي عندو فرح .. يلي عندو حزن .. يلي عندو دمعات قديمة للبيع …!!!” بسرعة توجهت إلى أمي قائلة: عندي ضحكتين قديمتين أريد بيعهما … فقالت : افعلي ما يحلو لك … اتّجهت إلى البائع مخاطبة إيّاه : يا عم، بكم الضحك اليوم؟ أجابني :ضحكة الطفل بليرة ، وضحكة العجوز بألف … وعلى حسب العمر نشتري … دهشت من الفارق في السّعر وسألته :يا عم الضحكُ ضحكٌ .. لِمَ هذا الفارق في الأسعار ؟؟!
فأجابني :يا صغيرتي ، ضحكة الكبار نادرة … وهذا سبب غلائها ….لم أفهم ما قال ، ولكنّي بعته الضحكتين … واشتريت بثمنهما بسكويتًا… رجعت إلى المنزل ، سألت أمي إن كان لدى جدي ضحكات قديمة … فضحكة الكبار غالية …بحثت أمّي في كلّ أرجاء المنزل … لم تجد أيّ ضحكة لجدي ( جدي لا يضحك كثيرا ).. ولكنّها عثرت على الكثير من دموعه .. أعطتني إياها .. وقالت لي : هذا مصروفك غدا…!!! في اليوم الموالي … وعند سماع صوت العم الذي يشتري الأحاسيس والمشاعر … سألته عن ثمن دموع الكبار قائلة : مؤكّد هي غالية كضحكاتهم ، أليس كذلك؟ فأجابني : كلّا إن دموع الكبار ليست غالية … وهو لا يتاجر بها !!! وأضاف: الكبار يبكون دائماً يا ابنتي ؛ ففي اخر هذا الشارع هناك نهر من الدموع … وفي المقبرة هناك نهر آخر … حتى أنّ أرملة الشهيد تمتلك أكثر من برميلين من الدموع ولم أشتريهما … يا ابنتي، أنا أشتري ضحكات الكبار ، أمّا دموعهم فلا أشتريها … فأنا تاجر نوادر وأشتري ما لا يوجد…. أشتري كذباً من الأمهات، حِكَماً من المجانين ، ووفاءً من المسؤولين … يا ابنتي، لا حاجة لي بدموع الكبار … فكل الكبار يبكون… انتهت أسأل الله أن يريح قلب ذلك الرجل المسن، ولو سمحت الأقدار بملاقاته لاحتضنته طويلا وقلت له: يا أبتي… إذا ضاقت بك الدنيا، فلا تقل يا رب عندي همّ كبير، ولكن قل يا همّ لي ربّ كبير !!!






