لا حاجة لنا في الديموقراطية المستوردة من أمريكا …  ياسين فرحاتي

لا حاجة لنا في الديموقراطية المستوردة من أمريكا …  ياسين فرحاتي

16 سبتمبر، 22:15

أثبتت لنا دروس الماضي القريب جدا و دروس الحاضر و الواقع الراهن زيف و فشل أنموذج و منوال الخطاب السياسي الأمريكي في ظل حكم جورج بوش الإبن و المحافظين الجدد و دليلنا على ذلك عبث ما سمي ” الديموقراطية على ظهر الدبابة ” التي دمرت أفغانستان سنة 2001 و أتت بحكومة العميل أحمد قرضاي لكن انهارت هي و من جاء بعدها و بعد 20 سنة، من الاحتلال و عاد الحكم لحركة طالبان و كذلك في العراق سنة 2003، و تحت إشراف الحاكم و السفير بول بريمر بحكومة العميل جيئ بأحمد الجلبي و من معه مدعية إرساء نظام حكم ديموقراطي بعد إعدام رئيسه في يوم عيد الاضحى لدى المسلمين. و لكن و بعد مقاومة شديدة انسحبت معظم القوات الأمريكية و لم يبق منها إلا بعض الفرق التي ستنسحب باعتبار وجود اتفاقيات تحكم العراق و الإدارة الأمريكية.
إن جوهر مقالتنا يأتي بعد إطلاعي على بعض ما كتبه الصحفي صالح عطية في موقع الجزيرة.نت و هو التدخل السافر لإدارة ترامب في شؤوننا الداخلية. و هنا أقول بالمناسبة متى كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ديموقراطيا في بلده فهو رئيس شعبوي و كاد ينقلب على الديموقراطية الأمريكية المزعومة في ما سمي ب” غزوة الكونغرس ” أثناء هزيمته في انتخابات الرئاسة ضد خصمه و منافسه جو بايدن. إن دأب الرؤساء الأمريكيين فرض كل شيء بالقوة و إحداث و خلق الأزمات و الفتن خدمة لمآربهم الشخصية الآنية و الإستراتيجية و كل ما يقال عن نشر الديموقراطية و حقوق الإنسان في الدول العربية و الإسلامية و حتى في دول أمريكا الجنوبية و سابقا في دول أوروبا الشرقية هي محض افتراء و كذب في كذب فلقد خططت و مولت لعشرات الانقلابات و أزاحت بالقوة أنظمة حكم شرعية. إنهم يتعاملون مع بقية الدول و الشعوب حتى و إن كانت مستقلة على أساس أنهم هم أسياد و نحن عبيد و الحال أن العالم يشهد انتفاضة ضد الظلم و القهر و الاستبداد و الطغيان بعدما رأيناه و نراه منذ قرابة السنتين في غزة و فلسطين المحتلة على إثر عملية طوفان الأقصى البطولية في 7 أكتولر 2023، في حرب الإبادة الإسرائيلية بدعم أمريكي علني و اوروبي أيضا على الأقل في البداية أو منذ تأسيس هذا الكيان المحتل و الغاصب. فلو كانت أمريكا مؤمنة حقا بالديموقراطية و تسعى فعلا لتكريسها على أرض الواقع لأوقات حرب الإبادة الجماعية الهمجية و وضعت حدا لحكم نتنياهو النازي.
أما بخصوص تونس فأنا اولا كمواطن و ثانيا ككاتب و مثقف أقف موقفا مناصرا لبلدي إزاء أي محاولة نكراء و خطة ماكرة للنيل من حقنا في تسيير شؤوننا الوطنية بإرادتنا الشخصية و سيادتنا و محافظين على كرامتنا فمهما اختلفنا أو اتفقنا مع الرئيس قيس سعيد فهذا أمر يخص التونسيين لوحدهم و هذا من طبيعة الأشياء و الحياة التي تحكمها قوانين الجدلية في الفكر و في الممارسة. إن السياسة لعبة ماكرة و أمريكا أمبراطورية لم يعرف لها التاريخ مثالا في القوة و العربية لكن لا يجب أن تخيفنا أكثر من اللزوم فمن الحكمة و المنطق التعامل معها بذكاء و خبث و دهاء و حتى خداع فقد صمدت كوبا كاسترو في وجه أمريكا لعقود و علينا أن نتأقلم مع الأوضاع الإقليمية و الدولية و نحن نسبح في عالم متغير و غامض و يصعب التنبؤ بمستقبله بحيث تحكمه قوانين المنظومات الديناميكية المركبة و غير الخطية. إذ علينا أن نفكر خارج الصندوق و نبتكر حلولا غير متوقعة نفاجئ بها الأعداء من القريب و البعيد و نكون أكثر جرأة و نحسن إدارة الحوار و التفاوض على أننا أصحاب حق فأمريكا من الخطأ الاعتقاد أنها ترغب في انتشار الديموقراطية خارج حدودها الجغرافية في تصريح موثق لوزارة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت و نرى ما فعلته في حصار غزة ممثلة في إسرائيل بعد فوز حركة حماس التي تواجه العدو بإيمان رجال من زمن الصحابة رضوان الله عليهم.
و تونس تقف موقف الداعم و المساند حكومة و شعبا للشعب الفلسطيني و قضيته العادلة و دليلا في ذلك أسطول الصمود الذي جاء من إسبانيا المنددة بجرائم الاحتلال الصهيوني لينطلق من تونس ( ميناء سيدي بوسعيد ) في إتجاه غزة بغاية كسر الحصار عن شعب أعزل سلاحه الصبر و الإيمان بعدالة قضيته و مقاومة جبارة و عصية عن العدو المدرج بكل أنواع الأسلحة الفتاكة و المدمرة.
و لو كانت أمريكا تدعم فعلا الحريات و تدافع عنها لما سمحت لحليفتها من قتل قرابة 200 صحفي دونما أدنى ذنب اقترفوه سوى نقل لمشاهد القتل و سفك الدماء و الترويع و الرعب و الدمار في غزة.
إن الحديث عن الشرعية و الديموقراطية في تونس هو أسطوانة مشروخة و كلام أجوف و فيه كيل بمكيالين فالديمقراطية يجب أن تكون نابعة من ثقافتنا و إرادتنا و تراثنا فنحن شعب سوي و ذكي و متعلم و طموح و تاريخنا يشهد لنا من ذلك أننا أول من أعطى دستورا ( عهد الأمان ) للبشرية فلا نريد أن تصدر لنا أمريكا و الغرب بضاعتهم السياسية الفاسدة. لا يخلو شعب مهما كان متقدما من عيوب و نقائص و شوائب و نحن نجتهد في إصلاح أنفسنا لأن الأمر متعلق بعقود من الوهن و الضعف و الفساد.
لكن ما أقوله بحسب فهمي المتواضع أن نتعامل مع هذا الملف ليس كمشكل بل كفرصة لحله و نقله و تصديره إليهم و يبقى مرجعنا بعد الله سبحانه و تعالى سنة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ” و أمرهم شورى بينهم ” و هي الوصفة التي بفضلها منحنا جائزة نوبل للسلام فما الذي يعنيه ذلك إن لم نفتح أذرعنا لبعضنا البعض و نصلح ذات البين و نتصالح فيما بيننا مهما اختلفنا لأنه كما يقال ” الاختلاف لا يفسد للود قضية. “
إن الوعي الجماعي بأن هذا الوطن يجمعنا و يجب ان نحميه هو صمام أمان و ما انتقاد الجيش التونسي إلا كذبة كبرى لأنه هو الركيزة و الدعامة الأساسية التي حمت ثورة 2011، و حققت أحلام الشعب التونسي آنذاك، ثم إن المنظومة السابقة عاثت في تونس فسادا و إهمالا و سوء تصرف و لا مبالاة بالنظر إلى أزمة فيروس كورونا و غيرها من القضايا الأخرى الحارقة كالمديونية الاقتصادية و الارتهان للخارج خصوصا البنك الدولي و صندوق النقد الدولي.
و أختم بالقول علينا أن ننتبه إلى مصير وطننا و أن نصفق بيد واحدة ضد أي تدخل أجنبي و أن نبني هذا البلد بسواعد أبنائه المخلصين و الغيورين و أن لا نقصي أحدا أو نهمش أي مواطن يمكن أن يفيد برأيه و نضع خارطة طريق للبناء و الإصلاح بخطوات محسوبة و يا حبذا لو نسرع الخطى و أخاطب هنا ” اهل الطموح و من يستلذ ركوب الخطر لأن من لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر ” كما يقول شاعرنا العبقري و الفذ أبو القاسم الشابي.

مواضيع ذات صلة