
للحقيقة والتاريخ في ذكرى رحيل بن علي : المرحلة النوفمبرية بين الحقيقة والزيف… مصطفى عطية
تمر، اليوم، 19 سبتمبر، الذكرى السادسة لوفاة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي،وكأنه لم يحكم البلاد طيلة ثلاث وعشرين سنة، بما فيها من إنجازات وخيبات، ونساء ورجال وطنيين أفذاذ، عملوا من أجل رفعة تونس بكل روح وطنية وفداء، وٱنتهازيين وسفهاء وخونة أذلاء، عاثوا في البلاد فسادا، ولم تخل من وجودهم مرحلة من مراحل تاريخنا الطويل، وإن كان لا بد من تقييم موضوعي لهذه الفترة الحاسمة من تاريخ تونس المعاصر، فالضرورة العلمية والتأريخية تفرض التخلي عن تراكمات الحقد الإيديولوجي، والكذب الإعلامي، والشيطنة الإخوانية، والتزييف الشعبوي.
لم يكن بن علي ملاكا، كما لم يكن شيطانا، لم يكن بدون أخطاء، كما لم يكن بدون مآثر وإنجازات ومواقف وطنية. يجب الإعتراف بأن تغيير السابع من نوفمبر 1987، الذي أنجزه صحبة جمع من رجال الدولة، كان حدثا مفصليا في تاريخ تونس المعاصر، وأخذ، في حينه، بعدا أخلاقيا ساميا، إذ أنقذ البلاد من تداعيات شيخوخة الزعيم الحبيب بورقيبة، مؤسس الدولة الوطنية الحديثه، ومن عبث المحيطين به. أقول هذا الكلام، وأنا البورقيبي الذي لم يحد يوما عن المنهج البورقيبي وقيمه.
كما يجب الإعتراف أيضا بان الرئيس زين العابدين بن علي أحبط مؤامرة إنقلابية، كانت حركة النهضة وجهازها السري يخططان لتنفيذها يوم الثامن من نوفمبر 1987، إضافة إلى ان بدايته كرئيس للجمهورية التونسية كانت محملة بالبشائر والإنجازات الإقتصادية والإجتماعية بالخصوص، لكن مع مرور السنوات وتطور نسب التنمية، بدأ أخطبوط، متعدد الأصابع، يتشكل تدريجيا من عائلات أصهاره، بدءا بشيبوب ثم الطرابلسي وصولا إلى المبروك والماطري، تسنده ماكينات حزبية وسياسية وٱقتصادية وإعلامية، حتى تمكن من الإلتفاف على أغلب مقدرات البلاد.
عيب الرئيس زين العابدين بن علي، الذي لا يشك أحد في وطنيته وإنجازاته الإقتصادية والإجتماعية، هو عدم تصديه لهذا الأخطبوط الرهيب، حتى لا نقول دعمه له، بالإضافة إلى تساهله مع الإختراقات الجسيمة للتجمع الدستوري الديمقراطي من قبل التيارات الإسلاموية والإنتهازية، رغم تحذيرات الكثير من الرموز الدستورية من خطورة ما يحدث في الحزب الحاكم، مما يسر إختراقات أخرى أكثر شراسة شملت الحزام الإستشاري المحيط به.
هذا الإنخرام، واسع النطاق، تسبب في بروز أزمة إجتماعية “صامتة”، تحولت مع مرور السنوات إلى “بركان نائم”، رصدته بعض القوى الأجنبية المعادية، ثم أشعلت فتيله ليحدث ما حدث، وتدخل البلاد في نفق عشرية الإرهاب والفساد تحت حكم المنظومة الإسلاموية الرجعية، المتحالفة مع اليسار الإنتهازي و”المخزن” الإنتفاعي، الذي دأب على الأكل من كل المآدب.
نحن بحاجة إلى قراءة تأريخية جادة، تعتمد الوقائع الثابتة والملفات المحفوظة والأرقام الصحيحة والشهادات الموثوقة إنصافا للحقيقة والتاريخ.