للحقيقة والتاريخ …مُصطفى عطية
لماذا التركيز على الطقوس في الإسلام ؟ وهل حقا ان أركان الإسلام خمسة فقط، لا أكثر ولا أقل ؟
عبر العديد من متابعي حسابي عن ٱستغرابهم الشديد من تركيزي في تدوينة سابقة بعنوان “هكذا عرفنا الله وأحببناه”، ضمن ركن “للحقيقة والتاريخ”، على جملة من السلوكيات النبيلة والقيم السامية التي عرفنا من خلالها خالق الكون وآمنا بعظمته، و” غفلت”، حسب تقديرهم، عن الإشارة إلى العبادات، وخاصة أركان الإسلام الخمسة. في الحقيقة لم أغفل، وإنما لم اعرج في تدوينتي على العبادات والطقوس لأسباب عدة، اولها أني على إيمان راسخ بأن الإسلام، في جوهره، منظومة قيم وليس عبادات وطقوسا فقط، وثانيها ان الكثير من المواظبين على تأدية “أركان الإسلام الخمسة” هم أبعد ما يكون عن روح الإسلام ورسالته الخالدة، فممارسة تلك العبادات والطقوس لا تدل بالضرورة على التقوى، بل هي بالنسبة للكثيرين أقنعة تحجب كذبهم ونفاقهم وتيسر تجارتهم بالدين. يؤكد المؤرخون، كمثال على ذلك، أن جباه الخوارج كانت تتقرح من شدة الصلاة وهم يعيثون في الأرض فسادا، حتى غدروا بعلي إبن أبي طالب وقتلوه، كذلك الشأن بالنسبة للقرامطة الذين هجموا على الكعبة وقتلوا الحجاج ثم سرقوا الحجر الأسود وأخفوه لديهم طيلة إثنتين وعشرين سنة، وٱنظروا إلى الدواعش ومدى إلتزامهم بتأدية العبادات في مواقيتها في حين ان أفعالهم منكرة ولا يأتيها إلا أعداء الإسلام، أما ثالث هذه الأسباب وأهمها على الإطلاق فيتلخص في الإجابة المقنعة عن هذه الأسئلة : لماذا تم تحديد أركان الإسلام بخمسة فقط ( الشهادتان، الصلاة، الزكاة، الصوم والحج) بينما في الإسلام قيم أخرى لا تقل أهمية؟ وهل وجد نص في القرآن الكريم يستعرضها ويحددها بخمسة(5) ؟ وهل الذي رواها هو سند قوي ؟ ثم لماذا لم ترد الرواية متواترة عن أصحاب الرسول الأقرب إليه: أبو بكر، عثمان، عمر، علي، وزوجته عائشة وغيرهم؟
لنكن واضحين وصريحين وعقلانيين ومسلمين حقيقيين ونجيب عن هذه الأسئلة بأريحية مطلقة : لا وجود لنص في القرآن الكريم يؤكد أن أركان الإسلام خمسة، ولا وجود لنص في القرآن الكريم يقول ان الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج هي وحدها أركان الإسلام، كل ما في الأمر أنها وردت في القرآن الكريم كقيم ومبادئ وشعائر وعبادات من ضمن أخرى عديدة ذكرها الله وشدد عليها وأمر بها، ولكنها لم ترد في المتداول من “أركان الإسلام”. بقي ان الحديث الذي روي عن الرسول الكريم متضمنا قوله ان “أركان الإسلام خمسة(5)” هو حديث أحادي وسنده لا هم الخلفاء الراشدون ولا هم كبار الصحابة الذين لازموا لرسول في حله وترحاله، وإنما هو عبد الله بن عمر بن الخطاب، الذي أفاد أنه سمع الرسول يقول ان “أركان الإسلام خمسة ويعددها”، ولم يسمعه أحد غيره، فهل يعقل ان الرسول لم يبلغ أصحابه بأمر هام جدا كهذا وٱكتفى بإبلاغه إلى عبد الله إبن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ؟
لنفترض ان أركان الإسلام خمسة، ومحددة في الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج، فهل نكتفي بذلك ونهمل قيما أخرى ذكرها القرآن الكريم وشدد على التحلي بها كالتقوى والعدل والنزاهة والتضامن وصيانة حرمة الإنسان والبر بالوالدين وغيرها لا يحصى ؟
لهذه الأسباب وغيرها لا بد من ٱعتبار الإسلام منظومة قيم إنسانية ومآثر أخلاقية، أما العبادات والطقوس، وإن كنا لا نشكك فيها ولا نقلل من أهميتها وضرورة ممارستها طبقا لما جاء في النص القرآني، فإننا نعتقد إعتقادا جازما انها لا تختزل وحدها الإسلام ورسالته الخالدة.