للحقيقة والتاريخ هذا الجيل الذي لن يتكرر أبدا أبدا! مصطفى عطية
25 افريل، 21:44
- لم نقف في الطوابير لشراء الخبز والسكر والحليب والزيت والقهوة والأرز وطحين القمح، أو لٱستخراج مضمون ولادة من بلدية، الإنترنات فيها صورية لا تشتغل في أغلب الأحيان، وإنما وقفنا في طوابير الدخول المنظم إلى القسم في المدرسة والمعهد، وطوابير الطوق البشري الذي نحمي به إجتماعاتنا العامة في بهو الكليات والمركبات الجامعية، وطوابير الدخول إلى المسارح وقاعات السنما، وطوابير التسجيل في مكاتب العمل التطوعي.
- لم يكن صحفيو جيلنا ينعمون بحرية مطلقة في الكتابة والتعبير، وإنما كانوا يجدون سعادة بالغة في الكفاح، كتابة وتعبيرا، لٱنتزاع الضروري من هامش الحرية التي يحتاجونها.
- لم ننعم بالديمقراطية المنزلة تنزيلا من الخارج، او التي يتكتل فيها الذين لا يعلمون ضد الذين يعلمون، وإنما لم يسرق منا أحد أحلامنا بديمقراطية نابعة من إرادتنا.
- لم نكن نقرأ للسيد قطب وحسن البنا والقرضاوي والمودودي وغيرهم من تجار الدين، وإنما كنا نقبل بنهم على كتب طه حسين وعلي عبد الرازق والطاهر الحداد وجلبار نقاش والميداني بن صالح وعز الدين المدني وشعراء الطليعة، وجون بول سارتر وألبار كامو وسولجينيتسين وفاكلاف هافال وغيرهم من الحداثيين والتنويريين والإنسانيين.
- لم كن لنا معارضة تقف في الطوابير، تحت حيطان السفارات والقنصليات الأجنبية، لمقابلة موظف بسيط فيها، وإنما كانت لنا معارضة وطنية تنافس السلطة في حماية سيادتنا الوطنية، يقودها أحمد المستيري وحسيب بن عمار والحبيب بولعراس وغيرهم من القادة السياسيين الأفذاذ.
- لم تكن وسائل النقل متوفرة بالشكل الكافي، وإنما كنا نعود إلى منازلنا على القدمين في آخر الليل، وقد إستمتعنا بعروض مهرجان قرطاج الدولي، مطمئني البال يغمرنا الشعور بالأمن والأمان.
- لم يكن المعلمون والأساتذة الذين درسونا في كل مراحل التعليم مثاليين، وإنما كنا نجلهم ونحترمهم ونهابهم ونقدر جهودهم ونعترف لهم بالجميل.
- لم تكن قادرين على تطوير مؤهلاتنا التعليمية بالدروس الخصوصية مدفوعة الثمن، وإنما كان معلمونا وأساتذتنا يؤمنون لنا تلك الدروس مجانا.
- لم يكن العيش سهلا، وإنما كانت الضروريات والكماليات متوفرة بكثرة وبأسعار زهيدة.
- لم نكن في بحبوحة من العيش الرغيد، وإنما كنا نعمل بجد وإخلاص لنوفر لأنفسنا وعائلاتنا الحد الأدنى من مستلزمات الشعور بالسعادة.
- لم تكن العدالة والمساواة متوفرتين بين الأفراد والمجموعات والجهات، وإنما لا وجود للحقد والحسد والتنمر والشماتة إلا في حالات نادرة لا يقاس عليها.
- لم تكن المضامين التي تقدمها وسائل الإعلام راقية ومفيدة للجميع، ولكنها لم تنزل أبدا إلى منحدرات الإسفاف والإبتذال والإنحطاط الأخلاقي.
- لم تكن لنا تعددية حزبية بالمعنى المتعارف عليه، وإنما كانت لنا معارك فكرية وإيديولوجية وسياسية طاحنة، لم تتجاوز أبدا المسموح به من الصدامات “المشروعة” أخلاقيا وقانونيا.
- لم يكن لنا مجتمع مدني بآلاف الجمعيات المشبوهة والمرتبطة، فكريا وماليا، بالخارج، وإنما كانت لنا جمعيات ونواد واتحادات وطنية لا تقبل ابدا المس من حرمة الوطن وسيادته وأمنه.
- لم تكن لنا هايكا ولجنة مقاومة الفساد وهيئة حقيقة وكرامة و هيئة مستقلة للإنتخابات ومجموعات دفاع عن الأقليات ومقاومة التعذيب والتجارة بالبشر، وإنما كان لنا الإتحاد العام التونسي للشغل في أوج قوته، والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة في عنفوانه، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان في ذروة نضالها ومنظمات وطنية قوية وفاعلة.
- لم نكن بدون ازمات مالية واقتصادية واجتماعية حادة، وإنما لم نسع إلى الإقتراض الدولي لتسديد العجز في ميزانيات الدولة.
- لم تكن لنا وسائل تواصل إجتماعي للتفاعل، المخضب بالشوق، مع صديقاتنا على الخاص، وإنما كنا تكتب لهن، بخط جميل، رسائل حب وشوق وغزل، ننثر على صفحاتها قطرات من عطر الياسمين الذي تعده امهاتنا في المنزل.
- لم نكن نرتدي الزي الأفغاني أو النقاب والعباءات السوداء للتعبير عن تديننا، بل كنا نحفظ القرآن ونؤدي ما تيسر من العبادات ونحرص على ان لا نؤذي بعضنا البعض، عملا بالقول المأثور “المسلم من سلم الناس من يده ولساته”.
- لم نكن ملائكة، وإنما عندما نشاهد،اليوم، الشياطين يدعون العفة والطهورية الكاذبتين، نشعر بأننا كنا أقرب إلى الملائكة منا إلى هؤلاء الشياطين!