مآدب العشاء في القصور… وصرخات الصمت في مخيمات غزة…اشرف المذيوب

مآدب العشاء في القصور… وصرخات الصمت في مخيمات غزة…اشرف المذيوب

27 نوفمبر، 20:45

في ليلةٍ تلمع فيها كريستالات الثريات داخل البيت الأبيض، جلس قادة وسياسيون وشخصيات عالمية حول طاولات مترفة، تتوسطها أطباق فاخرة وتحيط بها ابتسامات مُنمّقة بدقّة بروتوكولية.
أضواء الكاميرات ركّزت على الضيوف، على اللحظة، على الزينة… وكأن العالم يعيش في حالة سلام شامل.
لكن بعيدًا عن هذه القاعة التي تحرسها الفخامة، هنالك قاعة أخرى لا جدران لها:
مخيمات غزة.
هناك، يتجمّع أطفال حول نار ضعيفة تحاول الوقوف في وجه بردٍ لا يرحم.
أمهات تُمسك ما تبقّى من خيمة مزّقها المطر.
رجال يجرون جرحى بين الركام، يبحثون عن نقطة ضوء أو قطعة خبز.
والسماء فوق المخيم لا تُنيرها الثريات… بل قذائف وتحوّمات طائرات.
وبين المشهدين، يقف الإعلام العالمي متحيّزًا.
ينشغل بملابس الضيوف، وحضور المشاهير، وترتيب المقاعد في مأدبة العشاء،
متناسياً شعبًا يعيش حالة طوارئ يومية تحت المطر والجوع والبرد.
إن المفارقة مؤلمة حدّ الفضيحة:
كيف تصبح وجبة عشاء خبرًا دوليًا يتصدّر العناوين،
بينما يظل موت الأطفال وتشرّد العائلات في غزة مجرد هامش يتيم في نشرات الأخبار؟
ليست القضية في العشاء ذاته، ولا في البروتوكولات أو العلاقات الدبلوماسية…
القضية في فقدان البوصلة الأخلاقية.
في قدرة العالم على الاحتفال بينما شعب كامل يعيش في خيمة مثقوبة،
وفي قابلية الإعلام لتضخيم صورة طبق مطهو بعناية،
وتقزيم صورة طفل يرتجف بلا غطاء.
غزة اليوم ليست مجرد جغرافيا محاصرة،
إنها امتحان إنساني يخفق فيه الكثيرون.
ورغم صمت العالم، يبقى في المخيمات من يبتسم رغم الجراح،
من يشارك رغيفه القليل،
ومن ينهض كل صباح ليقول:
“ما زلنا هنا… وما زالت الحياة ممكنة.”
وبين ضوء الثريات في القصور وظلام الخيام في غزة،
يبقى السؤال الأخلاقي معلّقًا:
متى يصبح الإنسان أهم من المأدبة؟
ومتى يستيقظ العالم ليعرف أن خلف كل ضحكة في تلك الولائم،
هناك صرخة تُخنق في المخيمات…
ولا يسمعها إلا من بقي قلبه حيًّا؟

مواضيع ذات صلة