
مذكرة رأي: تقسيم جهة صفاقس إلى جهتين إداريتين: رؤية نقدية في ظل تراجع اللامركزية…جلال بوزيد
1 أوت، 20:50
يثير اقتراح تقسيم جهة صفاقس إلى جهتين إداريتين نقاشات حيوية حول مستقبل التنمية الجهوية، العدالة المجالية، والحوكمة المحلية في تونس.
يأتي هذا الطرح في سياق وطني يتسم بمراجعة التنظيم الترابي والإداري، مستلهماً تجارب محلية (مثل تقسيم ولاية تونس) ودولية. ومع ذلك، يواجه هذا الاقتراح تحديات إضافية بسبب تراجع الدولة عن مبدأ اللامركزية في دستور 2022 مقارنة بدستور 2014، الذي كرّس صلاحيات واسعة للجهات. تهدف هذه المذكرة إلى تقييم الإيجابيات والتحديات المحتملة للتقسيم، مع التركيز على تداعياته في ظل تراجع اللامركزية، وتقديم توصيات عملية.
الإيجابيات المحتملة للتقسيم:
- تقريب الإدارة من المواطن:
• يُسهم التقسيم في تسريع تقديم الخدمات الإدارية وتقليص البيروقراطية في المناطق النائية مثل الصخيرة وبئر علي.
• يعزز التواصل بين المواطنين والإدارة، مما يشجع المشاركة المدنية والشعور بالانتماء. - تحقيق عدالة تنموية:
• يتيح توزيعًا عادلًا للموارد، مما يمكّن المناطق الداخلية (مثل الحنشة والغريبة) من الاستفادة من مشاريع تنموية مخصصة.
• يقلص الفجوة بين صفاقس المدينة والمعتمديات الريفية، مما يعزز التماسك الاجتماعي. - تعزيز الحوكمة المحلية:
• يفتح المجال لتجارب إدارية مبتكرة، مما يسمح باختبار نماذج حوكمة مرنة.
• يعزز دور المجالس الجهوية في صياغة السياسات العمومية، رغم القيود التي يفرضها دستور 2022. - تحفيز الاقتصاد الجهوي:
• يشجع المنافسة الإيجابية بين الجهات الجديدة لجذب الاستثمارات.
• يدعم تطوير بنى تحتية مخصصة تتناسب مع خصوصيات كل منطقة (مثل السياحة الساحلية أو الزراعة الداخلية).
التحديات والمخاطر المحتملة: - التضخم الإداري وتشتت الموارد:
• إنشاء هياكل إدارية جديدة دون صلاحيات حقيقية قد يؤدي إلى زيادة النفقات دون عائد تنموي ملموس، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية.
• تراجع اللامركزية يعني أن الجهات الجديدة قد تصبح مجرد أدوات تنفيذية لسياسات مركزية، مما يحد من مرونتها. - صعوبة التنسيق والتخطيط:
• ضعف اللامركزية يجعل التنسيق بين الجهات معتمداً على الإدارة المركزية، مما يعيق تنفيذ المشاريع الكبرى (مثل تطوير ميناء صفاقس أو حماية البيئة).
• احتمال نشوء تنافس سلبي بين الجهتين على الموارد المحدودة. - خطر تعميق الفوارق:
• في ظل تركز القرارات المالية في العاصمة، قد تتركز الاستثمارات في صفاقس المدينة، تاركة المناطق الداخلية مهمشة، مما يعمق الفوارق بدلاً من تقليصها.
• غياب تمويل جهوي مستقل قد يجعل الجهة الداخلية تعتمد كلياً على المنح المركزية. - فقدان الهوية الجهوية:
• صفاقس تتمتع بهوية اقتصادية وثقافية قوية، وقد يؤدي التقسيم إلى إضعاف هذا التماسك، خاصة إذا شعر السكان أن القرار مفروض مركزياً.
• احتمال نشوء نزاعات محلية حول الحدود الإدارية أو توزيع الموارد. - تحديات التمويل والاستدامة:
• إنشاء جهات جديدة يتطلب تمويلاً كبيراً للهياكل والبنية التحتية، مما يشكل عبئاً في ظل تراجع اللامركزية المالية.
• محدودية صلاحيات الجهات قد تمنعها من تطوير مصادر تمويل ذاتية.
تداعيات التقسيم في ظل تراجع اللامركزية (دستور 2022):
تراجع الدولة عن اللامركزية في دستور 2022، مقارنة بدستور 2014، يطرح تحديات إضافية: - محدودية الصلاحيات الجهوية:
• الجهات الجديدة ستخضع لإشراف مركزي صارم، مما يقلل من قدرتها على التخطيط المستقل ويجعل التقسيم شكلياً.
• تقليص دور المجالس الجهوية يحد من تأثيرها في صياغة السياسات المحلية. - إضعاف المشاركة المحلية:
• تراجع دور المجتمع المدني والفاعلين المحليين قد يؤدي إلى نقص الحوار حول التقسيم، مما يثير مقاومة محلية أو شعوراً بالتهميش.
• انخفاض الشفافية قد يُضعف الثقة بين المواطنين والإدارة. - تعطيل العدالة المجالية:
• اعتماد توزيع الموارد على قرارات مركزية قد يؤدي إلى استمرار تهميش المناطق الداخلية، مما يفشل هدف التقسيم الأساسي.
• احتمال تفاقم التوترات الاجتماعية إذا شعرت المناطق الريفية بأن التقسيم لم يحقق تطلعاتها. - تحديات التنسيق الجهوي:
• غياب آليات تنسيق مستقلة بين الجهات قد يؤدي إلى تأخير المشاريع الكبرى أو تعارض الأولويات.
• الاعتماد المفرط على الإدارة المركزية يُضعف الديناميكية الاقتصادية والتنموية.
دروس مستفادة من تجربة تقسيم ولاية تونس:
أظهر تقسيم ولاية تونس إلى أربع ولايات بعض الإيجابيات (مثل تحسين الإدارة المحلية في مناطق معينة)، لكنه كشف عن تحديات كبيرة:
- نقص التنسيق أدى إلى تعطيل مشاريع مشتركة مثل النقل العمومي.
- تفاوت في توزيع الموارد، حيث استفادت ولاية تونس أكثر من غيرها.
- ظهور بيروقراطية إضافية دون تحسينات ملموسة في الخدمات. تُظهر هذه التجربة ضرورة مرافقة التقسيم بخطة تنسيق استراتيجية وتوزيع عادل للموارد.
خلاصة وتوصيات:
تقسيم جهة صفاقس ليس حلاً سحرياً، بل فرصة مشروطة بنجاحها في ظل تراجع اللامركزية. لتحقيق أهدافه، نوصي بما يلي:
- إجراء دراسات جدوى شاملة:
• تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للتقسيم مع تحديد الحدود الإدارية والاحتياجات التنموية. - تعزيز اللامركزية الفعلية:
• الدفع نحو تعديلات تشريعية تمنح الجهات صلاحيات مالية وإدارية رغم قيود دستور 2022.
• تطوير آليات تمويل مستدامة للجهات. - إشراك المجتمع المحلي:
• تنظيم حوارات تشمل الفاعلين السياسيين، الاقتصاديين، والمجتمع المدني لضمان توافق حول التقسيم.
• تعزيز الشفافية لتجنب الشعور بالتهميش. - إنشاء هيئة تنسيق جهوية:
• وضع آليات للتعاون بين الجهات في المشاريع الكبرى للحفاظ على التماسك الجهوي. - التركيز على العدالة المجالية:
• تخصيص ميزانيات متوازنة وبرامج تنموية للمناطق الداخلية لتجنب تعميق الفوارق. - الحفاظ على الهوية الجهوية:
• تعزيز الروابط الثقافية والاقتصادية بين الجهات الجديدة لمنع تفتيت هوية صفاقس.
في الختام، يتطلب نجاح تقسيم جهة صفاقس إعادة النظر في سياسات اللامركزية لضمان تحقيق تنمية عادلة ومستدامة. المبدأ الأساسي يبقى: “لا تنمية حقيقية دون لامركزية حقيقية”.