مصطفى عطية للحقيقة والتاريخ : تيكاد 8 في مدينة الثقافة الحقيقة الكاملة لإنجاز القرن
28 أوت، 21:03
تقاسمت مدينة الثقافة، التي انجزها الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، و التي تعتبر إنجاز القرن في تونس، احتضان فعاليات مؤتمر ” تيكاد 8” مع قصر المؤتمرات، وهو للتذكير من إنجازات العهد البورقيبي، يعني لولاهما لما عجزنا عن احتضان مثل هذه التظاهرات بما ان ”النظام الثوري المجيد “، بإسلامييه ويسارييه وقومييه وشعبوييه، الذي حرص على شيطنة العهدين السابقين، لم يقدر على تشيد ولو متر مربع واحد في هذا المجال. وللحقيقة والتاريخ، وحتى نوقف حملات التشويه والمغالطة والإفتراء، فإن فكرة بعث مدينة للثقافة ولدت في رأس المنجي بوسنينة منذ تسلمه حقيبة الثقافة في حكومة حامد القروي مع مطلع تسعينات القرن الماضي، فباح بها لبعض مستشاريه المقربين، وأنا واحد منهم، ثم رفعها إلى الرئيس زين العابدين بن علي الذي سارع بعقد مجلس وزاري مضيق لمناقشتها في التاسع والعشرين من شهر جانفي 1992، وأثناء النقاش عرض المنجي بوسنينة تصوره للمشروع مطالبا بالخصوص بأن يتم تشييده في قلب العاصمة، كما هو معمول به في العديد من العواصم الكبيرة في العالم، ضاربا مثالا بقصر الأوبرا المقام في قلب باريس. حاول بعض الوزراء والمستشارين الحاضرين طرح بدائل متعددة منها المكان الواقع وراء مصحة التوفيق على هضبة البلفيدير، لكن المنجي بوسنينة رفض كل المقترحات مقنعا رئيس الدولة بأن قيمة المشروع تكمن في ٱنتصابه في قلب العاصمة، مشيرا إلى قصر المعارض كمكان مثالي فتدخل محمد علي بوليمان مذكرا بأن هذا المكان مخصص لممارسي الرياضة، ولا يمكن حرمان مئات الشبان من ذلك، عندها أمر بن علي وزير الشباب والرياضة عبد الرحيم الزواري بإيجاد بديل لهؤلاء الشبان في مكان آخر يكون قريبا من حديقتي الرياضة (أ-ب) وحي الشباب ، وهو ما وقع الإتفاق عليه نهائيا ليتم الإعلان رسميا عن المشروع الجديد.
إنهمك المنجي بوسنينة وإطارات وزارة الثقافة في الإعداد الأولي لهذا المشروع، الذي أصبح من الأولويات المطلقة، بالتعاون مع وزارة التجهيز التي يشرف عليها في تلك الفترة المرحوم علي الشاوش، وكان من كبار المتحمسين للثقافة وأهلها، وقد أثمر هذا التعاون العملي الوثيق تسريعا وتفعيلا للإجراءات الأساسية، ولم يغادر المنجي بوسنينة الوزارة إلا وقد ترك ملفا مكتملا وجاهزا يتضمن تجسيما هندسيا للمشروع في مكتبه بالوزارة.
تواصل العمل بالجدية ذاتها وبمتابعة دقيقة من بن علي في عهد الوزير صالح البكاري ثم الوزير عبد الباقي الهرماسي رحمه الله، وحدد تاريخ 2004 لتدشينه، لكن بعض العراقيل التي طرأت في الأثناء وخاصة مع الشركة التشيكية التي تم التخلي عنها، أجل موعد التدشين إلى سنة 2009 .
تداول على الوزارة خلال السنوات الخمس التي فصلت بين الموعدين المشار إليهما آنفا، وزيران هما العزيز بن عاشور ومحمد رؤوف الباسطي، وقد بذل هذا الأخير مجهودات كبيرة لإصلاح الوضع، لكن الحراك المدعوم خارجيا، الذي أطاح بالنظام السابق في الرابع عشر من جانفي 2011، وضع حدا للمضي قدما في هذا المجال، حتى خرج عزالدين باش شاوش، عند تعيينه وزيرا للثقافة ليصدح بقولته الصادمة : ” مدينة الثقافة تذكرني بمقر الغيستابو Gestapo ” الذي كان هتلر وزبانيته يعذبون فيه المعارضين للنازية، وٱعتبرته محكمة نورمبارغ من مؤسسات جرائم الحرب !
أعجبت هذه القولة محمد المنصف المرزوقي فتبناها عند ارتقائه وقتيا لسدة الرئاسة وذلك بإصراره على تشويه المشروع وتجميده.
كان مشروع ” مدينة الثقافة “، قبل تشويهه والقدح فيه والتشكيك في فائدته والتعتيم عليه، قد ذاع صيته في العديد من عواصم العالم وسارعت بعض الحكومات بتقديم مشاريع مماثلة لإنجازها في بلدانها، حتى وصل الأمر إلى حد تقديم طالب مغربي لأطروحة دكتوراه حول هذا المشروع التونسي الرائد في المدرسة القومية للهندسة المعمارية بالعاصمة المغربية الرباط وذلك في شهر جوان من سنة 1995.
لم يتم الإفراج عن المشروع وٱتخاذ قرار بٱستكمال إنجازه إلا بعد سقوط حكومة الترويكا الثانية ، إذ تحركت بعض مجموعات الضغط الثقافي وأرغمت حكومة الحبيب الصيد على الشروع في إعادة الإعتبار لمدينة الثقافة ووضع خطة عملية لإنقاذها، وهو ما تم فعلا.