
نكتب لكي لا نموت في صمت….اشرف المذيوب
في زمنٍ تتكاثر فيه أصوات المدافع أكثر من أصوات الشعراء، تصبح الكتابة فعل نجاة، لا ترفًا ولا هواية. يوسف القدرة، الشاعر الذي يكتب من قلب الركام في غزة، قال ذات مرة: “الكتابة لا توقف الطائرات، لكنها توقف النسيان. أنا لا أكتب لأغير الواقع، بل لأغير طريقة النظر إليه.”
هذه الجملة تلخّص فلسفة كاملة: أن الكلمة ليست سلاحًا فيزيائيًا، لكنها جدار ضد الاندثار، ونافذة تعيد تشكيل وعينا بالكارثة.
هذه النظرة ليست بعيدة عن تجربتي الشخصية. فأنا أيضًا أكتب كي لا أموت في صمت، كي لا يبتلعني النسيان، وكي أترك أثرًا يقاوم الطمس والتهميش. أكتب لا لأزيّن الواقع أو أتهرّب منه، بل لأضع مرآة أمام الأمة العربية والإسلامية كي ترى بوضوح ما آل إليه حالها. الكتابة بالنسبة لي ليست بحثًا عن بطولة شخصية، بل محاولة متواضعة لـ إصلاح ما يمكن إصلاحه، ولو كان ذلك الإصلاح يبدأ بكلمة توقظ غافلًا أو تعيد الأمل ليائس.
الشاعر تحت القصف وأنا تحت ثِقل الواقع، نلتقي عند نقطة مشتركة: أن القلم لا يسقط الطائرات، لكنه يسقط الصمت. الكلمة لا تُنهي الحروب، لكنها تمنع موت الذاكرة، وتزرع فينا إصرارًا على البقاء. فالكتابة ليست فعلًا خارجيًا فقط، بل فعل داخلي يرمّم الروح ويجعلنا قادرين على الاستمرار في مواجهة الخراب.
إننا نكتب كي نترك أثرًا في جدار الزمن، كي لا نصبح مجرد أرقام في نشرات الأخبار، ولا صورًا باهتة في أرشيف العجز العربي. نكتب لنحفظ دم الشهداء، وصوت الأطفال الذين حملوا الماء بدل الحقائب، ونبض الأمهات اللواتي انتظرن عودة لن تحدث. نكتب لأن الكتابة آخر ما تبقى لنا من مقاومة سلمية، وآخر ما يمنعنا من الذوبان في العدم.
وفي النهاية، قد لا تغير الكلمات موازين القوى، لكنها تغيّر شيئًا أهم: طريقة نظرنا لأنفسنا ولواقعنا. وحين تتغير نظرتنا، تبدأ رحلة الإصلاح مهما طال الطريق.