هدم القُدوة …. بالتراضي….سلوى بن رحومة
لم تعد منازلنا كما قبل لم تعد نفس الشموع تضيؤها ولا نفس المنابع تغذيها .
تغيرت عاداتنا وهذا طبيعي باعتبار ما تجرفه السنين معها من عادات نحو الاختفاء و ما تجرفنا اليه بقوة العولمة نحو عادات مكتسبة جديدة سرعانما يجري اليها الفرد و الجماعات بوعي احيانا للهروب الى الاسهل او للتخلص من موروث صار ثقيلا بتكراره دون معاني تشدنا اليه وتجعلنا اكثر تشبثا به .و بغير وعي بفعل تخطيط محكم السياق ممن يريدوننا ان نكون مثلهم و في غياب من يخطط لهذه الامة ليشدها الى اوتادها . الامر لا يقتصر على العائلة التونسية لانه يتعداها الى اختراق عربي شامل .
للاسف فرحنا في احيان كثيرة عند الخروج من الجلباب التقليدي الذي يسلطه علينا المجتمع لاننا قطعنا مع عاداتنا ولاننا وجدنا البديل ولم نعد نكرر ما يفعله الاجداد منذ عقود. هذا البديل الذي هربنا اليه بالتبني من حضارة اخرى لم يكن مولودا جديدا لمجتمعنا يضل جسما غريبا فيها رغم محاولات التاقلم و النظر باحادية الى الجانب المضيء فيه . حين كان الغرب يصدر لنا عاداته اليومية الاسرية و الغذائية و العقائدية كان يخطط كي لا نختلف عنه اذا ما ساد الفساد و عم لكننا هرولنا نحو احتضان مقارباته السوسيولوجية دون الوقوف وقفة رجل واحد مختلف عن هذا العالم في كل شيء ويكفي ان يختلف الدين لنقف بحزم ونتثبت من مقاربة التجديد لنا كعرب و مسلمين . فصرنا نعمق الهوة مع حضارتنا و نحن نلهث للحاق بهم لا نريد الالتفات الى الوراء لانهم علمونا ان كل شيء من حضارتنا لا يساوي قيمة واننا من اخترعوا الصفر و بقوا هناك وصدقنا هذا الكذب وقبلنا ان نجلد انفسنا ثم هربنا نحوهم نقترب من مظلتهم لننسى اننا من بقوا في حدود اختراع الصفر وكلما هرولنا نحوهم اتسع الحضن لاستقبالنا . لم نفكر في ربحية هذه الحضارة التي دمرت شعوبنا من قبل من خلال الاستعمار .حتى مثقفينا لم يتفطن بعضهم الى ان ما يروج عن ضعف حضارتنا حرب باردة ضد قوم اشداء . طوفانهم كان الاقوى .والمعجم اللغوي الذي وزعوه على العالم كان مختارا بعناية .ان تنادي باسم الانسانية و محو العنصرية وحقوق الانسان لم يكن هناك بد من اعتناق هذه المفاهيم . ونسينا بفعل نظرتنا الدونية لحضارتنا انكل مبادئهم مستوحاة من قيم الاسلام وسيرة الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وسلم.بل صرنا لا نعرف ديننا بفضلهم حتى لا نعلم فيما بعد ان دستورهم الانساني منبثق عن اسلامنا السمح. لن نعود الى ما نملك ولن نكون نحن مهما تعددت التسميات التي نهرب لها بحثا عن التساوي مع هذه الاقوام الا اذا عدنا الى ديننا وتعاليم شريعتنا لانها وحدها مصدر قوتنا و فيها الاختصار و الشرح لما أتو به في مدونة حقوق الانسنان
ولعلل اخطر باب واخر باب دمر كل شيء هو باب التعليم حين هربنا اليه مستنكرين على المعلم ان يكون مربيا و مستنكرين على الاستاذ ان يكون قدوة شباب يبحث في محيطه عن القدوة ليتبع خطاها . منذ صارت علاقة التلميذ بالمربي علاقة مادية تقتصر على التزويد بالمعلومة و تقتصر على صبها دون التقيد برد فعل التلميذ من حيث درجة الفهم و الاستيعاب ضعفت هذه العلاقة و صار التلميذ يسعى لتقويتها لينال حضوة الفهم ولم يكن لديه سبيل غير الدراسة على مقاعد خاصة جدا في احدى المنعطفات بعيدا عن المقعد الذي خصص له للاخذ في العلن . و المذهل ان جميع العائلات وافقت على هذا المسار الجديد بل ساهمت فيه وعمقته منذ ان خيرت ان تقتصر العلاقة بينابنها و الاستاذ على اخذ العلوم . كان حرصا على هدم هذه العلاقة الروحانية الابوية بالتدخل المهين لكل استاذ طالب بحق الاحترام من تلميذه او تعمد تربيته و تقويمه. هذه العلاقة التي لم يعلم حتى المسؤولون عن الهيكل الرسمي للتعليم انها هدم لمجتمع باسره . علاقة ناضل الاستاذ و المعلم في بدايتها للتشبث بدور التربية الى جانب التعليم .حتى نزلت كل السيوف و استساغ البعض منهم لذة المال وصنع الثروة من عرق من الاولياء الذين رفضوا ان يكون المعلم حارسا لابنائهم دون مقابل منهم . صارت علاقة انتقامية من الاستاذ نحو تلميذه . قبل الاثنين بهذه العلاقة الجديدة على ان يفوز التلميذ بالقوامة على نفسه ويقبل الاستاذ المقابل المالي لهذه الاهانة .ولم يكن ضحية الا التلميذ الذي تعلم كسر رموزه ولم يعد امامه مثل اعلى. او لعله ظن انه لا يحتاجها. هي قوانين عالمية جديدة تقتل الاب و كل معلم حتى تتمكن من تنشاة مجتمع دون اخلاق . على هذه المبادىء نشات اجيال في اماكن كثيرة من هذا العالم حتى انقلب السحر على الساحر . و تفطن الغرب الى تفاهة مشاريعهم التربوية. ومن بعدهم تفطنا الى عاقبة ما نحن نسير عليه من هدم دون هوادة لاجيال بريئة. و الان علينا ان نعرف ان منهج اصلاحنا يجب ان يختلف عنهمشكلا و مضمونا . لاننا منذ البداية مختلفين . وان طريق الصلاح يستوجب خطة داخلية محلية وطنية مما تضخه العقول التونسية و العربية المسلمة في بلدانها ويمكن ان يعول عليها من اجل مقاربة جديدة للاصلاح التربوي و التعليمي معها تغلق ملفات المال المهدور على جنبات التعليم و التي تساوت في دفعها جميع الطبقات. و تنتهي معها الحالة الاستثنائية للعلاقة الثلاثية بين التلميذ و المدرس و الولي .