نحن هذا الجيل …..جيل الزمن الجميل….مصطفى عطيّة

نحن هذا الجيل …..جيل الزمن الجميل….مصطفى عطيّة

7 أوت، 21:15

نحن جيل الزمن الجميل ،نستيقظ في الصباح الباكر لنقف في الطابور الطويل امام ” النادي”، للحصول على نصيبنا من فطور الصباح المجاني : رغيف خبز “فينوا” وقطعة جبن و “كار” حليب، هدية من الشعب الامريكي الصديق، ثم نهرع إلى محطة الحافلات لٱنتظار الحافلة الهرمة ذات الصرير المفزع، التي ستقلنا إلى المعهد، وبعد وقت طويل تأتينا مترنحة تكاد تسقط، وهي مثقلة بالركاب حد الإختناق، ولكنها لا تقف وتمر تاركة الجميع يجري وراءها دون جدوى.

نحن جيل الزمن الجميل، نبقى في انتظار حافلة ثانية، قد تأتي وقد لا تأتي، وإن أتت فلن توصلنا إلى حيث ندرس قبل صافرة دخول الأقسام ابدا، فنضطر للمرور على مكتپ القيم العام، الذي يشبعنا توبيخا، قبل ان يسلم لنا بطاقة دخول مصحوبة بعقوبة “احتجاز” باربع ساعات يوم الأحد.

نحن جيل الزمن الجميل ،لا نشتري الكتب المدرسية لضيق ذات اليد، فنستعيرها من النوادي والإتحادات ودور الثقافة والشباب والمكتبات العمومية، نحن جيل الزمن الجميل، لا حق لنا يحفظ امام الاستاذ والقيم العام والقيم و موظف الإدارة والحارس وحتى عابر السبيل، فنحن دوما ظالمون ونستحق الزجر والعقاب حتى وإن كانت الدماء تنزف منا. نحن جيل الزمن الجميل ، غذاؤنا في القيلولة لا يفوق ثمنه عشرين مليم فقط، تدسها لنا امهاتنا في جيوبنا كل فجر، على إيقاع تلاوة القرآن الكريم والمدائح والأذكار التي تبدأ بها الإذاعة إرسالها :اربعة عشر منها ثمن ربع خبزة، والستة الباقيات ثمن نصف ملعقة هريسة يخضب بها رغيف الخبز تخضيبا سطحيا باهتا. نحن جيل الزمن الجميل، نجني الزيتون في عطلة الشتاء، وننتزع الخضر الطرية من سطح تربة الأرض وأعماقها في عطلة الربيع، ونساعد البحارة على دفع مراكب الصيد في البحر، ثم نجر معهم الشباك مقابل بضعة سمكات نحيلات، نسرع بوضعها فوق كانون أعرج، نضرم فحمه ب “طاسة صليحة” المقعورة.

نحن جيل الزمن الجميل، نهب في كل صيف للعمل في النزل السياحية، ونقبل بكل ما يعرض علينا : حارس، نادل، عون استقبال، منشط، مرافق اطفال، مقابل بضعة دنانير في الشهر، وفرص صداقة وسهر مع بعض الصبايا الشقراوات. نحن جيل الزمن الجميل، نقف امام المطعم الجامعي : “يا رفيق ticket”، “يا رفيقة سيڨارو”، ” يا رفاق AG في السابعة مساء”.

نحن جيل الزمن الجميل، قهرنا الحرس الجامعي “vigiles”، وأجبرناهم على التواطئ معنا في مواجهة البوليس. نحن جيل الزمن الجميل، نملأ قاعتي الفن الرابع والفن السابع لمشاهدة الأفلام الثقافية الطويلة بمائة مليم فقط، و نحول نوادي السينما إلى منابر سياسية لٱنتقاد النظام، ثم نتجمع امام مقهى “علي بابا’ نترصد نجوم الفن والإبداع : زبير التركي، المنصف السويسي، عمر خلفة، عمار الخليفي، نور الدين القصباوي، عبد المجيد الأكحل، منى نورالدين، جميلة العرابي، محمد بن علي، فيتوقفون للدردشة معنا، ويدعوننا لحضور معارضهم ومسرحياتهم وافلامهم …ثم يدسون في أيدينا ما تيسر، وبه نلتحق بالفلورانس ولونيفار ومقهى الزنوچ و”بار” نور الدين، للإرتواء بمكونات قوارير “الستلا” المحدبة.

نحن جيل الزمن الجميل، نمرعلى المبيت الجامعي باردو 1 للفتيات لنطمئن على حبيباتنا وصديقاتنا ورفيقاتنا، قبل ان نلتحق بمبيتي باردو 2 وراس الطابية، للمراجعة والإسترخاء والسمر والنوم. نحن جيل الزمن الجميل، جيل الملاحم المصغرة في ساحة 9 افريل والمركب الجامعي بالمنار، خلال مواجهاتنا مع الخوانجية واليمين الإنتهازي. نحن جيل الزمن الجميل الذي كانت الصحف والمجلات تتسابق للفوز بمساهماتنا فيها، مقابل بضعة دنانير، سرعان ما تصبح “ثروة ” عندما تضاف للمنحة الجامعية الشهرية ( ثلاثون دينارا ).

نحن جيل الزمن الجميل، الجيل الذي واجه الصعاب، وتآلف مع الأوجاع، وخبر مسالك الجهد ومداومة الجهد، ولم يشتك يوما، بل تباهى بتجاربه ومعاناته. نحن جيل الزمن الجميل، الذي اسس مع الجيل الذي سبقه نواة ” النخبة الوطنية ” الطلائعية. نحن جيل الزمن الجميل الذي تمرد على الزعيم الحبيب بورقيبة ثم اعترف بعبقريته وإنجازاته الكبرى وأحبه. نحن جيل الزمن الجميل الذي يتحدث عن الزمن الجميل ورموزه بشغف يقوده الشعور بالفخر وواجب الإعتراف بالجميل. نحن جيل الزمن الجميل.

مواضيع ذات صلة