أولاد التلفزة يستحضر الماضي الجميل لبرامج الأطفال… سامي النيفر

أولاد التلفزة يستحضر الماضي الجميل لبرامج الأطفال… سامي النيفر

20 مارس، 20:45

في حلقة ثريّة مليئة بالحسرة والحنين، استحضر برنامج “أولاد التلفزة” برامج الأطفال منذ نشأة التلفزة الوطنية حتى بداية الألفية ومنها : ضيعة محروس، بيشة وفرهود، في كل بيت كتاب، كان يا مكان، محطات صغيرة، جنّة الأطفال، تلفزة الأطفال، نسرية، دنيا الأطفال، هيّا نلعب، أنباؤنا، الطير يغنّي، لغتنا العربية، براعم تتفتّح، صبرة، آثار وأسرار، مدرستي، سباق بين المدارس، أطفالنا… أطفالنا، الدكان، وللطفل نصيب، ينابيع، الأمير الصغير، بكل براءة…

مع أنهم نسوا دون قصد السلسلة الممتعة الهادفة “تصبحون على خير يا أطفال” و”عالم الأستاذ خبير”.. برامج تنوّعت بين اللغة والكتاب والسينما والموسيقى والرسم والبراعة اليدوية والفنون والحكايات الشعبية والأسئلة الثقافية والسكاتشات والدمى المتحركة… برامج ثقافية تعليمية تربوية تهدف إلى الإنماء الفكري واللغوي والثقافي لرجال المستقبل ونسائه ووسائل الإعلام عنصر من عناصر تكوين شخصية الطفل وبناء الأجيال. وكذلك تحدّثوا عن أهم منشّطي برامج الأطفال وهم عبد الجبّار الشّريف الذي قالت عنه يسر الصحراوي إنه يعطي بكل انضباط ومحبّة ودون حساب فهو يعمل متطوّعا بالتلفزة إلى الآن بالإضافة إلى الشيخ الوقور المرحوم رشيد قارة الذي تربّينا على حكاياته المشوّقة وعبره المفيدة في موعد أسبوعي مساء كل ثلاثاء وكذلك السيدة علياء ببّو التي ملأت القلوب بهجة والعقول ثقافة عامّة وقيما سامية فهي المربّية المثالية الرائعة والأم أو العمّة أو الخالة الحنون المتطوّعة الوفيّة الفاضلة التي لم تبخل يوما على متابعيها بما يفرحهم ويفيدهم ويسلّيهم من أجمل الأناشيد وأفيد الألعاب وأمتع الحكايات وأبلغ الحكم وأطرف الألغاز كما ذكرته هدى المسعدي في تقريرها…

وذكر الحضور ريادة التلفزة في ترجمة الصور المتحركة (قصة الإنسان، قرنيط الشلواش، مرجان وأصدقاؤه…) وترحّموا على المخرج المتقن لعمله عبد القادر الجربي الذي كان يحسب أقوال المدبلجين بالثانية. ولم يغفلوا عن عرض أهم صانعي برامج الطفولة ومنهم : المخرجة فاطمة السكندراني، محمّد رشاد بلغيث، رضا البحري، لطفي البحري، محمّد اليانقي، وحيد مقديش، رفيق المؤدّب، الطاهر النجار، رضا بن ناصر، نور الدين مطماطي، آمنة الوزير، فرج سلامة، فيصل بن أحمد، محمّد المزيان، الحبيب البحري، زينب قاسم، معز الحاج ساسي، إيمان الجلاصي، فاطمة بن جمعة، لطفي حريز، سمر المزغنّي، حنان بن عمر، كمال يوسف، رضا الدريدي، إيناس شعباني، منى ذويب، سليم قاسم، يوسف البقلوطي، محمود بوقطفة، حميد بن إبراهيم، قاسم الشرميطي، بوبكر العش، والمنصف الكاتب الذي كانت له عديد الأعمال مع وحدة الإنتاج التلفزي بصفاقس وقد أثنى عليها ضيف الحصة المخرج محمّد قارة مبيّنا أنها خدمت الأطفال بسخاء وشكر أيضا مختار الوزير رئيس مصلحة برامج الأطفال التي كانت تُنتج 5 برامج في الأسبوع في عهده. وقد علّق الضّيوف على طريقة تعامل السيدة علياء مع الأطفال التي أجابت أحد الصغار : “لِمَ تنظر في عينيّ ؟ الجواب في الورقة وليس في عينيّ” بنبرة جادّة وحادّة نسبيا لا يقبلها أشباه البيداغوجيين اليوم فذكر المخرج نجيب الساحلي أنها كانت أنموذجا للعلاقة الأبوية بين الحنان والمثالية وإعطاء المعلومات. كما ذكرت المعدّة والمقدّمة والمربّية لطيفة غرّاد أنّ الطّفل يبقى طفلا في كل زمن وأنّ هناك استقالة تامّة من قِبَلِ الأولياء ودعتهم إلى العناية بأبنائهم وحسن تربيتهم فهم يدعمونهم ماديا وينسونهم روحيا ومعنويّا ويزجّون بهم في المحاضن ونحن لا نعطيهم الكلمة ولا نتركهم يعبّرون.. ولا يعبّرون عن رأيهم إلا إذا كانوا يحبّون ذلك ويملكون زادا لغويّا ويطالعون والخيال مفقود عند النّشء اليوم والطفل مجموعة من المشاريع فلنحسن استغلالها. وقد ذكرت أن أحد الصّغار حاور مانديلا وكان أكثر ثقة وذكاء منها فقال زعيم جنوب إفريقيا : “لو كان أطفال تونس هكذا فلا خوف على مستقبلها.”

وقد كان اليافعون يقدّمون نشرات أنباء بحرفية على الوطنية في الأزمان الذهبية. وبناء على دراسات حديثة، عادت أوروبا والعالم المتقدّم إلى القلم والكتاب والألعاب الفكرية اليدوية وأنقصوا التكنولوجيا التي أدت إلى مشاكل نفسية من العزلة والعنف والاكتئاب والتبليد وفتور الهمّة وقلّة التركيز والكسل ووصلت حتى الانتحار… ووافق عمّي رضوان طريقة السيدة علياء الحازمة “مليار في المئة” والكلام له وأضاف أن العمل في برامج الأطفال أصعب بكثير من الفئات الأخرى وأنّ كل شيء مدروس في هذا المجال وهناك رقابة قوية ودقة في اختيار كلمات ولحن الجينيريك الذي ينبغي أن يكون مؤثرا ويبقى في البال على طول الأزمان موضّحا أن العمل في الماضي كان “غرام” ومن القلب وفيه سهر حتى الفجر دون اكتراث بالمادّة. وقد استغرب عمّي رضوان من غياب قناة تلفزية خاصة بالأطفال بعد أكثر من 65 سنة من الاستقلال رغم أن أغلب الإشهارات موجّهة للصغار مبيّنا أنّ هذه الفئة هي الأساس والبناء القاعدي يبدأ منها ولكن الناس تخيّر الاستثمار في الحجر والإسمنت عوض الثقافة والأطفال وذلك في تضارب مع الخطاب السياسي الذي يتشدّق بحقوق الطفل ومجلة حماية الطفل ومندوب حماية الطفولة.

ولكن نقول للهذلي إن أغلب مجتمعنا أهمل هذه الفئة بالقسوة أو بالتمييع والدلال المفرط والحمد لله أن السيدة علياء لم تلحق هذا الزمن وإلا لاتهموها بتعنيف الناشئة لمجرد صرامة بسيطة في موقف ما وربما لو شاهد أطفال اليوم حكايات رشيد قارة أو في كل بيت كتاب أو محمّد ثروت لما فهموهم ووجدوهم مملّين لأن التكنولوجيا دمّرت ذوقهم وأحاسيسهم وتركيزهم ومن يدري لعل باب الإنقاذ مازال مفتوحا ولكن أين العاقلون ؟… ربما بهذه الحصص التي تعرض الزوايا المشرقة للماضي الجميل نعود إلى الجادّة حتى نصلح من مجتمع كامل جعلناه مادّيّا وأفسدنا فيه عديد القيم وميّعنا فيه العائلة والشباب والمرأة والأطفال وأضعناهم بقصد أو دون قصد… أملنا في غد أفضل لنا وللأجيال القادمة ونختم ببيت شعر عرضته لطيفة غرّاد : “كيفما نربّي النّشء اليوم    يكن الشعب غدا”.  

مواضيع ذات صلة