الحبيّب السلاّمي تجربة تعالق التربوي والثقافي والعمل الاجتماعي في أرقى معانيها بقلم الدكتور سهيل الحبيّب

الحبيّب السلاّمي تجربة تعالق التربوي والثقافي والعمل الاجتماعي في أرقى معانيها بقلم الدكتور سهيل الحبيّب

21 نوفمبر، 18:30

وددت في هذا المقام أن أحدّثكم حديث المشاعر والوجدان، مشاعر جيّاشة تجاه هذا الشيخ الجليل والرجل الفاضل يفيض بها الوجدان، غير أني لن أوفي الرجل حقّه ولن أنجح في التعبير عن  هذا الوجدان الجمعي تجاه هذا الرجل، وجدان أجيال من القاصرين عن الحركة العضوية وعائلتهم على مدار ما يقارب النصف قرن من عمر هذه الجمعية.

لذلك عدلت، وسأحدثكم حديث الصناعة التي لي فيها بعض خبرة، حديث الفكر الذي يحاول أن يستنبط من التجارب الإنسانية بعض دلالاتها العميقة، إنه حديث عقلي وفكري وأنا أتأمل علاقة شخصية وخاصة، بل يخيّل لي أنها فريدة، جمعتني بالشيخ، إذ أقول إنها فريدة فذلك لأني أحسب أني الوحيد من عايش عن قرب السلامي من جهة شخصيته المعطاءة في أبعاد ثلاثة من أبعادها على الأقل: رجل العمل الاجتماعي ورجل العلم والتربية ورجل الثقافة. نعم عايشت عن قرب شخصية سي الحبيب في هذه الأبعاد الثلاثة، وأنا أقف متأملا في دلالات تداخلها فأجدني أجيب عن السؤال التالي: ما معنى أن يكون رجل العمل الاجتماعي الخيري رجل علم وثقافة وتربية؟ وصيغة السؤال يمكن قلبها دون أن يمسّ ذلك من انطباقه على شخصية السلاّمي : ما معنى أن يكون رجل التربية والتعليم والثقافة رجل عمل جمعياتي خيري؟

حتى لا يكون كلامي نظريا مجرّدا اسمحوا لي أن أسترجع بعض اللقطات التي عشتها شخصيا مع الرجل، هي لقطات كثيرة تتزاحم في ذهني سأنتخب منها لقطتين من لقطات بداية معرفتي فقط.

  • أذكر أن أول لقائي بسي الحبيب كان ذات خميس من شهر أفريل 1982 حين حملني والدي رحمه الله إلى مقر إذاعة صفاقس القديم، كان ذلك الموعد الأسبوعي الذي يستقبل فيه أبو سهيل المواطنين الذين لهم مشاكل اجتماعية ليعرضها ويعالجها في إطار برنامج “دبّر عليّ” الذي ملأ صفاقس وشغل ناسها زمن ذاك. كانت مشكلة ذلك الطفل زمن ذاك أنه سيستطدم قريبا بحاجز مناظرة السيزيام التي قد تعوق استكمال مساره الدراسي. حينها وجّهنا سي الحبيب إلى الجمعية وفي إطارها تابع تذليل كل الصعوبات التي اعترضت مساري الدراسي (من السيزيام إلى المرحلة الثالثة من التعليم العالي).
  • أذكر في أول عهدي بارتياد فضاء الجمعية ذات مساء جمعة في تلك السنة دخل سي الحبيب من الباب الفرعي للجمعية الذي يدخل مباشرة إلى قاعة كانت مخصصة للعمل الثقافي. كنت وبعض أترابي يومها جالسين إلى طاولة نلعب لعبة السكرابل بالعربية، وقف ليحيينا كدأبه الذي لم يتغيّر وانتبه إلى ما كنا نفعل ثم قال “هذه اللعبة تستدعي معجما”، وفي الأسبوع الموالي وجدنا المنجد في اللغة والأعلام على ذمتنا.

قيمة التجارب الإنسانية تتجلّى حين ننزلها في سياقها، من هنا نتبيّن كم هي عظيمة تجربة هذا الرجل حين نعرف أنه مارس منذ نصف قرن العمل الاجتماعي بقناعة أن التعليم والثقافة حق من حقوق المعاق الاجتماعية وباشر التربية والتعليم وشغف بالثقافة بعقلية أنها حق للجميع. أمور قد تبدو لنا اليوم بديهية لكنها لم تكن كذلك يوم طبّقها سي الحبيب بروح المناضل والمجاهد منذ سبعينات القرن الماضي.

 باختصار تجربة السلامي درس لمن يريد أن يفهم كيف يفتح العلم والثقافة العمل الاجتماعي على آفاق أرحب وكيف يعطي العمل الاجتماعي للعلم والثقافة بعدهما الإنساني الحقيقي.

مواضيع ذات صلة