بيان بمناسبة تحديد معلوم زكاة الفطر  للموسم الحالي 1445 هــ 2024

بيان بمناسبة تحديد معلوم زكاة الفطر للموسم الحالي 1445 هــ 2024

7 افريل، 11:00

تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً، وبعد، فبمناسبة حلول عيد الفطر المبارك أعاده الله علينا وعلى تونس الخضراء قيادة وشعبا بالخير واليمن والبركة وعلى الأمة الإسلامية جمعاء بالتقدم والازدهار والرقي وتحرير المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وبمناسبة ما أصدره فضيلة مفتي الجمهورية من تحديد لمقدار زكاة الفطر والتي قدرها فضيلته بدينارين اثنين، يهم الجمعية التونسية للتفكير الإسلامي والشؤون الدينية أن تذكر سماحة الشيخ مفتي الجمهورية أولا ، و تلفت نظر الرأي العام التونسي ثانيا إلى بعض النقاط الآتية :

إن زكاة الفطر هي عبادة أوجبها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف، قال ابن عباس فَرَضَ رسولُ اللهِ صدقةَ الفطرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ وطُعْمَةً لِلْمَساكِينِ، فمَنْ أَدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فهيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، ومَنْ أَدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فهيَ صدقةٌ مِنَ الصَّدَقَات”، ;وحدد أصنافها التي يجب إخراجها منها، قال أبو سعيد الخدري في ما رواه الإمام مالك بن أنس في الموطأ : “كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِن أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِن زَبِيبٍ. وحدد من يجب إخراجها من المسلمين، فورد في حديث أبي سعيد الخدري أنه قال : أمرنا أن نُخْرِجَ زَكاةَ الفِطرِ عَن كلِّ صغيرٍ وَكَبيرٍ وحرٍّ من المسلمين، وحدد غايتها الدنيوية فقال ويقولُ : أغنوهم عَن طوافِ هذا اليومِ،

وعلى ذلك فإن الحديث النبوي قد بين ما تصرف منه زكاة الفطر بأنه : طعام من أربعة أصناف هي : ال شعير أو التمر أو الأقط أو الزبيب، وإن كان الفقهاء قد ألقحوا بها أصنافا أخرى مثل الدقيق والذرة والأرز والقمح ٫٫٫ وحدد مكيلته فقال : صاع من هذه الأصناف الأرعبة، وهو ما يقابل كيلو غرامين ونصف تقريبا بالميزان الحالي،

وعلى ذلك فإن المسلم مطالب بأن يخرج زكاة فطره في الوقت المحدد أي قبل خروجه لصلاة عيد الفطر، وتكون من أحد الأصناف الأربعة المحددة وهي الشعير والتمر والأقط والزبيب، وبوزن كيلو غرامين ونصف تقريبا، هذا ما بينه الحديث النبوي الشريف,

ومعلوم أن هذه المواد الغذائية الواردة في الحديث كانت طعام المسلمين في زمانهم أي في القرن الهجري الأول، أي طعام المسلمين قبل خمس عشر قرنا، ومعلوم أن هذه المواد الغذائية تبدلت قيمتها الآن، وأصبح استهلاك بعضها بطرق مختلفة عما كانت عليه زمن النبي عليه السلام، فالشعير مازال مستعملا لكن بقلة، والتمر أصبح طعاما نادرا ولم يبق بالكيفية التي كان عليها لدى سكان الجزيرة العربية زمن النبي عليه السلام، أما الأقط وهو الجبن فهو الآن من الكماليات وليس من المواد الغذائية الأصلية، أما الزبيب فهو مثل الأقط في قلة الاستعمال الغذائي، ومعلوم أن قيمة هذه المواد الغذائية يختلف الآن من صنف إلى آخر : فثمن كيلو غرام من الشعير يتراوح بين 500 مليم و دينار، وثمن الكيلو غرام من التمر يتراوح بين خمس دنانير وعشرين دينارا، وثمن كيلو غرام من الأقط يتراوح بين 7 دنانير وعشرين دينارا، وثمن كيلو غرام من الزبيب يتراوح بين 7 دنانير و30 دينارا،

ومعلوم أن الشعير ليس طعاما أساسيا ولا غالب قوت أهل البلد، حتى يتم اعتماده كأساس لتقدير زكاة الفطر،

ومعلوم أن ثمن كسكروت التن الآن هو 4 دنانير ونصف، وهو لا يكفي لوجبة واحدة فما بالك بكفاية السائل عن السؤال يوما كاملا، كما ورد في الحديث النبوي الشريف، أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم،

ومعلوم أن الواجب هو الرجوع إلى ما قدره النبي عليه السلام وما حدده في تلك العبادة المعنية، أي زكاة الفطر،

وبناء على سبق بيانه فإن الجمعيةالتونسية للتفكير الإسلامي والشؤون الدينية ترى أنه من كان من واجب سماحة مفتي الجمهورية أن يستنير بما يقدره علماء الاجتماع وخبراء التغذية والاقتصاد قبل أن يقارن بين زكاة الفطر الواردة في الحديث النبوي وما يقابلها في القيمة المالية الآن، وقبل أن يعلن تحديد مقدارهذه العبادة بدينارين اثنين وهو مبلغ لا يكفي حتى لشراء الشعير النيء قبل القيام بشؤون تنظيفه وتنقيته وطحنه وغربلته وإعداده حتى يصير طعاما جاهزا للاستهلاك،ألا يحتاج الشعير إلى مواد أساسية لطبخه من الماء والزيت والغاز للطبخ والخضر حتى يصبح طعاما جاهزا للاستهلاك؟ أم أن تلك الضروريات التي يجب توفرها لا تعتبر في تحديد مقدار زكاة الفطر؟ هذا دون ذكر اللحم أو السمك أو الدجاج الذي لا يكاد تخلو منه مائدة في حياتها اليومية؟؟

إن سماحة مفتي الجمهورية حين قدر زكاة الفطر بدينارين اثنين قد ألغى كل ضروريات إعداد الطعام حتى يصبح جاهزا للأكل، واقتصر على صنف واحد فقط من الأصناف التي حددها الحديث النبوي في هذا الغرض، وهو أرخص الأصناف، وقد كان الأولى به أن يذكر قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيد،

إن سماحة المفتي بفتواه هذه يكون قد جانب الصواب في تحقيق غاية هذه العبادة وهي إغناء الفقراء والمساكين عن السؤال يوم العيد، وقد خالف تحديد النبي عليه السلام في زكاة الفطر وهو مقدار صاع من الأصناف المذكورة، ووفر فرصة لمن أراد أن يتخذ هذه النصوص وسيلة للتندر والتنفير من النص الشرعي المقدس،

لقد كان الأولى بسماحة المفتي أن يبين نص الحديث النبوي ويبين مقدار تلك الأصناف الأربعة الواردة فيه وهي الشعير والتمر والأقط والزبيب، ويبين الغاية الدنيوية المقصودة من هذه العبادة، وهي إغناء الفقراء والسائلين عن السؤال يوم العيد، ويترك للمسلم أن يختار ما يناسب مستواه المعيشي وغالب قوته اليومي وإمكانياته المادية وقناعاته الدينية حتى يكون مسؤولا عن تصرفه حين يقف بين يدي ربه تعالى، وحتى يكون عارفا بما أقدم عليه من فعل لا أن يعتمد أرخص الأصناف المذكورة ويتخذه مقياسا واجبا ويلغي غيره من الأصناف التي حددها النبي عليه السلام، ولا أن يحدد مقدارا لعبادة بثمن لا يسمن ولا يغني من جوع٫

ويبين الغاية الأخروية منها وهي أنها طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ وتزكية النفس وتطهير لها

لا شك أن سماحة الشيخ قد اعتمد في هذا ما جرى عليه العمل من فتاوى السابقين الذين غاب عن أغلبهم المقصد الشرعي والاجتماعي من هذه العبادة، فحددوا ظواهر جافة قد لا تحقق الفائدة المرجوة من تلك العبادة، وهو ما يستلزم ضرورة مراجعة هذه الفتاوى والاستعانة بأهل الاختصاص من مختلف المجالات على غرار ما بينه العلامة المرحوم محمد الطاهر ابن عاشور في حديثه عن الفتوى وأنها أصبحت تحتاج إلى مجامع علمية تضم مختلف الاختصاصات حتى تقدم أجوبة أقرب ما تكون إلى روح الشريعة ومقاصدها السامية النبيلة لا أن تقتصر على ظواهر مرتبطة بظروف وملابسات وحيثيات زمنية واجتماعية واقتصادية تغيرت أكثر من مرة ولكن أغلب الناظرين فيها لم يتغير فكره رغم أنه يعيش تغييرات يومية في كل نواحي حياته ولو أنه هو نفسه تعرض إلى هذه المسائل لكان أفتى بخلاف ما يقوله للناس، ولكان من أول من يطلب مراجعة ما يصدر في حقه حين يطبقون عليه تلك الفتاوى المرتبطة بظروف تجاوزها الزمن، وقد قال القدماء : تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والمفتي والمستفتي والحكم الشرعي يتنزل على المسألة ذاتها ولا يتنزل على شبيهاتها أو مثيلاتها٫

ختاما ندعو الله عز وجل ان يتقبل منا ومنكم الصيام والصيام

وأن يعيد على الجميع هذه المناسبة بالخير واليمن والبركة

وأن يحرر الاقصى الشريف اولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي عليه الصلاة والسلام

والـــســـــــلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رئـيـس الـجـمـعـيـة/ الـمـهـدي بـو كـثـيـر

مواضيع ذات صلة