تونس: هل ستهدأ العاصفة بعد الفشل في سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب؟

تونس: هل ستهدأ العاصفة بعد الفشل في سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب؟

31 جويلية، 14:30

احداث متسارعة و اخبار متطايرة و تصريحات من هناك و هناك كلها تصب في خانة ” منعرج” سياسي و دستوري قد تشهده  بلادنا ، يترافق هذا مع تكليف رييس الجمهورية لوزير الداخلية  السابق هشام المشيشي بتشكيل حكومة جديدة. تونس، تشهد صراعا حادا بين النظام القديم بكل مكوناته و اطيافه السياسية و هم ” الصقور” و يمكن ايضا وصفهم ب”الاستاصاليين” و معهم ايضا بعض الاحزاب التي كانت معارضة لنظام ما قبل 14 جانفي  من تقدميين و حداثيين و عروبيين و قوميين. هذا الجناح يقف كحجرة عثرة في وجه رييس مجلس النواب الحالي راشد الغنوشي : معركة اساسها عداء ايديولوجي للاسلاميين . نحن لسنا امام معركة موضوعية و منطقية للافكار و المشاريع و البرامج التي يمكن ان تخدم مصلحة البلاد و المواطن بقدر ما نحن امام معارك جانبية و ثنايية بين طرفين او ثلاثة اطراف. القاعدة الوحيدة التي تتحكم في حالة الغليان السياسي و تؤججه هي ” عدو عدوي صديقي” لانه ما الذي يجمع من عوامل مشتركة بين الدستوري الحر و التيار الوطني الديمقراطي  و من يدور في فلكهما  سوى انها ضاقت ذرعا بحزب حركة النهضة و ب” سيدهم الشيخ” الداهية الذي ادخل فيهم غولة بسبب برودة اعصابه و حنكته و قوة صلاته مع احلافه في الخارج. و هنا اتساءل ايهما افضل النحالف مع من يساندون القضية الفلسطينية و يقفون جهارا ضد صفقة القرن و عرابها دونالد ترامب ام من يصطفون الى جانب :” الطابور  الخامس” الذي باع كرامته و تنازل عن الحقوق العربية و تامر مع اعداء امتنا من اجل ان يبقى في سدة الحكم  و لا ينازعه في ذلك منازع. ان هذا هو جوهر الخلاف السياسي حول راشد الغنوشي و حكاية “سياسة المحاور ” هي اشبه ما  يكون بمسمار جحا من اجل دق اسفين في نعش الاسلام السياسي. اما ان تقع مقارنة ما بين الرييس الحالي لمجلس نواب الشعب و رؤساء سابقين مثل الاديب مجمود المسعدي فلكل عصر رجاله و ظروفه الخاصة به  ببساطة لان الشعب التونسي قال كلمته الفصل و حاول القطع مع الظلم و مع العلمانيين رغم ان الاستاذ راشد الغنوشي لم يقصهم من الحكم و  مد يده لهم و رفض التشفي . لكن ارى ان ما بالطبع لا يتغير و ان من شب على شيء شاب عليه. اذ لا يعقل الاستنقاص من قيمة الرجل ونضالاته و رميه هو و جماعته بالارهاب بعيدا عن مؤيدات قضايية تدينه لان المتهم بريء ما لم  تثبت ادانته فحتى القضاء لم يحسم في قضية خلية المسمى خذر. خصوم النهضة يتضاهرون بالذكاء و الفطنة و هم في واقع الامر اهون من بيت العنكبوت لان مثخنون باحقاد الماضي و هم يتقاطعون  مع بعضهم البعض في عداءهم لكل ما يمس منظومة القيم الاسلامية السمحة و روح التعايش السلمي الذي يرفضه دستورنا الجديد و نادى  به فلاسفة و مفكرون من امثال ابي نصر الفارابي و ايضا الاستاذ االدكتور فتحي التريكي الذي هو نفسه يختلف كثيرا مع الاسلاميبن و مع حركة النهضة  و مع الترو دولار الخليجي و لكنه  يدعو الى معقولية الحوار التي فهمها عن الفارابي و اسسس هو نفسه لفلسفة التانس و العيش المشترك.  ان حركة النهضة  و هذا ليس رايي بمفردي انها كيان سياسي مهيكل و له ممارسة ديمقراطية من خلال مجلس الشورى اما بقية الاحزاب فهي احزاب عايلات على غرار عايلة  عبو او عايلة الشابي او عايلة القروي بحيث تفتقد كثيرا او الى حد ما الى الى التداول على رياسة هذه الاحزاب . مثال اخر اسوقه  ، لطالما  كانت الجبهة الشعبية و خصوصا حزب العمال يهاجم حركة النهضة و يصفها بابشع النعوت و الاوصاف و يرفض رفضا قاطعا المشاركة في اية حكومة للنهضة تمثيلية فيها و لكن ابن الجبهة و اين الناطق الرسمي حمة الحمامي ما هو  محله من الاعراب  و هل صدقه المواطن التونسي حول شعاراته الفضفاضة حول “قفة الزوالي” .انا اؤكد ان الجميع اخطا بمن فيهم حركة النهضة لكن ليست وحدها لانه كان لديها شركاء في الحكم ثم هي لم تدع يوما ان لدبها الخبرة السياسية الواسعة و الكافية لممارسة الحكم بمفردها . هي لم تقص حتى رجالات بورقيبة و ابن علي السابقين  و لم توصد الابواب في وجوههم و ليس من دليل اقوى من جلسة اخوية بين اخر امين عام للتجمع الدستوري المنحل محمد الغرياني  و نواب من حركة النهضة على راسهم العجمي الوريمي. صورة تداولتها كثيرا صفحات التواصل الاجتماعي االفايس بوك و هذه الصورة في اعتقادي تعبير صادق عن فلسفة عبد الرحمان بن خلدون في علم الاجتماع من ان الانسان كاين اجتماعي. ان كل تغيير اجتماعي يمكن تفسيره كعملية تحول للطاقة و ان  قوانين الجذب و التنافر و الفعل وردة و هي قوانين مستوحاة و مستمدة من علم الفيزياء تحكم الطبيعة البشرية.اعيد و اذكر مرة اخرى انه ليس من معنى قوي و فعال لجايزة نوبل للسلام التي فازت بها تونس ممثلة في الرباعي الراعي  للحوار اذا لم يتمكن من تنقية الاجواء السياسية المسمومة، و الاخطر من ذلك ان كان هو  يلعب دورا مساندا لطرف على حساب اخر و انا اقصد تحديدا الاتحاد العام التونسي للشغل لانه دايما يقدم نفسه كرقم صعب في المعادلة السياسية و في بعض الحالات النادرة يلجؤ اليه بهدف تثبيت هدنةاجتماعية. البلاد تنتظر ولادة حكومة  لست اعلم ان ستكون قيصرية ام لا  مع رييس الحكومة الشاب المكلف المشيشي ذو التكوين في مجال الادارة  الى جانب مباشرته لمناصب رغيعة في عدد من  الوزارات اخرى مختلفة و هنا ان اتوقف عند نقطة مهمة و هي ان مجال  الادارة مختلف عن مجال السياسة . الادارة اقرب الى الاقتصاد منها الى السياسة رغم ترابطهما من زاوية  الاقتصاد السياسي الذي كان فرعا تابعا للفلسفة قبل ان ينفصل عنها فيما بعد.بصراحة كل الذين جاءت بهم اقدار الله الى حقل السياسة  كمصنع للافكار كما  ذهبت الى ذلك المفكرة سان سيمون فشلوا فشلا ذريعا  و هي لا تتطلب معرفة بعلم الذرة او علم الصواريخ مثلا لكن صدقا  في القول  و قدرة على اخذ القرار السياسي في اللحظة المناسبة و في كل ذلك ينبغي مراعاة مصلحة المواطن و مشاغله اليومية و هذا لايتنافى مع المصلحة العليا للوطن. حركة مد و زجر و راتفاع لاصوات و خفوت لاخرى و اشياء في الخفاء تدار من الخارج و اموال توزع من بعض الاطراف حسبما يقول رييس كتلة النهضة نور الدين البحيري بهدف شراء الاصوات و احداث تغيير حقيقي على راس مجلس نواب الشعب بهدف سحب الثقة من رييسه و ريييس الدولة لم يحرك ساكنا الى حد الساعة و لم يحاول راب الصدع كرييس موحد لكل التونسيين. فهو لم يعتذر للسعب النونييين على اختياره الخاطىء لالياس الفخفاخ و انما كل ما نسمعه منه مجرد كلام ملغوم و مخيف للتونسيين من قبيل ” انا مشروع شهادة” و ” الصواريخ جاهزة على منصة الاطلاق” . صراحة مع ابعد الكلام في السياسة و نظرياتها و هذا شان المنظرين في الفلسفة السياسية و الفعل السياسي و الممارسة و هذا شان الكوادر الحزبية.في بلادنا العرببة عامة لا ياخذ بجودة راي و حصافة تفكير الفلاسفة و لا يستنير الراي العام بمواقفهم. خذ مثلا ناعوم شومسكي كلامه يحدث رجة في اوساط الساحة السياسية الدولية تتجاوز جغرافيا الولايات المتحدة الامريكية و تشكل رايا عاما دوليا باتم معنى الكلمة لماذا يحدث هذا لان بلاده هي دولة علم و معرفة  و شعبها و ساستها في حاجة الى التنوير و الغرب بالنهاية مجتمع ديناميكي تحكمه مجموعة قيم و افكار رغم عديد التناقضات صلبه.مرة استمعت الى السيد محسن مرزوق و ما صدر عنه من وعي و ربما نضج فكرية عندما مني هو و حزبه بخسارة في الانتخابات الرياسية و التششريعية قال بالحرف الواحد “ساعيد قراءة مقدمة ابن خلدون”. ان نجاح السياسي في اداء دوره لا يخلو من علم و معرفة و مهارة و دربة.ان معترك الحياة السياسية في بلدان العالم الثالث، و نحن مكون منه  غالبا ما تحفه المخاطر و تعتريه بعض التشوهات في طريق مساراته المتعرجة لسبب بسيط و اساسي و هو اننا لم نمتلك بعد زمام المبادرة في مجالات حيوية كالاقتصاد مثلا و هو جوهر الازمات في عالمنا اذ لا زلنا نعيش على وقع المساعدات الدولية المشروطة و التي غالبا ما توصف كونها مجحفة للغاية سواء من صندوق النقد الدولي او البنك الدولي مما يدخلنا في احيان كثيرة في جدال محوره الاستقلالية الاقتصادية و المالية و احيانا التبعية الى الخارج و هو احد منعطفات السياسة اليوم بين داعم  لمحور على حساب اخر. و من وجهة نظري الشخصية ،  في الاقتصاد و العلاقات الدولية و الدبلوماسية العامة لا بد من انتهاج نهج البراغماتية  التي تخدم الاهداف الوطنية التي ترسهما السياسة الوطنية  التي من المفترض ان تكون تحضى باجماع وطني عام . و طبعا كل حكومة منتخبة لا بد ان تكون لها رؤية للمستقبل  القريب و البعيد في اطار خطة رسم استراتيجية تكون بمثابة فلسفةتاخذ بعين الاعتبار  وشايج الماضي بمختلف اوجهه في علاقاتنا بالدول الشقيقية و الصديقة و بمعطيات الحاضر و الذي يعتبر في نظر المؤرخين نقطة الالتقاء الماضي بالمستقبل مثلما ان النقطة هي نتيجة تقاطع مستقيمين.ان عملية الاستشراف مهمة لا تخلو من صعوبات و عراقيل و لكنها ضرورية جدا لكل بلد يرنو الى صعود الجبال و كما يقول  الشابي و من لايحب صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر، ذلك ان الامم العظيمة اا تستقر على حال و لا يهدا لها و هي في سباق مع الزمن و الزمن كالسيف ان لم تقطعه قطعك. اقول هذا الكلام و انا بودي التاكيد على ان ما نخوضه في بلادنا من  عنتريات و تجييش للشارع و احيانا اخرى تحريض و استقواء بالخارج او رسالة مبطنة او معلنة للتدخل في شؤوننا الداخلية. ان فتح قنوات الحوار و التشاور كفيل بنزع فتيل التوتر و اذابة الجليد في العلاقات بين هكذا احزاب يتمترس كل واحد في معسكره و يتراشقون فيما بينهم التهم . مثلا حركة النهضة و انا لست لا ناطقا باسمها و لا منتميا اليها اعلنت سلسلة من المراجعات الفكرية عندما كانت في بريطانيا بثتها قناة الحوار في لندن بصعة سنوات قبل ثورة التونسية. كما ان فادة الحركة ما انفكوا يعلنون في كل مناسبة ان حركتهم هي مدنية و ملتزمة بفصل العمل السياسي عن  العمل الدعوي. و هنا ما هو دعوى اتهام  النهضة بالتطرف و ممارسة العنف و الوقوف كثيرا عند حدود اخطاء الماضي فخير الخطايين التوابون و هذا كلام  الله سبحانه و تعالى . ثم ها هو يوم الامتحان قد اتى ، يوم الخميس يوم مشهود بالمعنى الديني يوم عرفة، ترافق سياسيا باختبار مدى قدرة قوى سياسية معارضة لحركة النهضة في سحب الثقة من الاستاذ راشد الغنوشي . عمل تجند له خصومه منذ اسابيع عديدة . تمت عملية الاقتراع السري دون ان تجرى جلسة عامة في حالة من الاحتقان و قد كان خصوم يجمعون الاوراق و الملفات و يبحثون في اتفه الاسباب من اجل الايقاع برييس مجلس النواب. تم التصويت سرا و لكن كما يقول المثل العربي” تمخض الجبل فانجب فارا “. ليخرج  بذلك زعيم النهضة كالبطل المظفر لان المعركة التي شنت ضده اساسا و ضد رييس مكتبه الدكتور الحبيب خضر لم يكن اساسها مصلحة وطنية بل ايديولوجيا مضرة.  الشاب وليد البرقوقي اصيل مدينة سيدي بوزيد و رييس كتلة المستقبل النايب عن كتلة المستقبل و هو رييس حزب وريث للعريضة الشعبية الذي اسسه ابن مهد الثورة الدكتور الهاشمي الحامدي ، و الذي سطع نجمه خلال الاسابيع القليلة الماضية اكد في حوار اجراه معه صباح اليوم المذيع المعروف حاتم بن عمارة ضمن برنامج يوم سعيد الذي تبثه الاذاعة الوطنية ، ان رييس مجلس النواب لا يمكن اسقاطه بهذه الطريقة و ان الرهان خاسر و لا يخدم مصلحة البلاد في شيء و ان حالة الاستقطاب  الحاد  بين الدستوري الحر و حركة النهضة يجب تجاوزه مضيفا حسابيا نواب النهضة مضافا اليهم نواب قلب تونس و ايتلاف الكرامة و حزبه رغم انه لم   يعلن  عن ذلك الا ان  لمح الى ذلك رغم اختلافه مع النهضة و ذكر ان العريضة الشعبية حرمت من المشاركة في تشكيل اول حكومة بعد الثورة رغم حصولها على ثاني اكبر عدد من المقاعد بسبب رفض النهضة. لكن السياسة هي فن الممكن و الممكن يتجلى في المارب السياسية . رييس مجلس نواب الشعب اكد في نقطة فور الاعلان عن فشل اللايحة في اسقاطه: ” ان هذا انتصار للديمقراطية ” . مضيفا انه ” على استعداد للتعاون مع رييس الجمهورية رمز وحدة البلاد متنميا وافر الحظ لرييس الحكومة المكلف هشام المشيشي”. لعل اهم حدث اثلج قلوب الالاف من العايلات  التونسية في خضم هذه التوترات و فايض الفوضى من الاحاسيس و المشاعر التي تلزم السياسيين ، الشعب براء منها و لا يبررها اطلاقا ، هو المصادقة يوم امس الاربعاء  على قانون استثنايي يضمن الانتداب الفوي و على دفعات طيلة اربع سنوات لاصحاب الشهادات العليا الذين  طالت بطالتهم عشر سنوات فما فوق و فرد عن كل عايلة في قطاع الوظيفة العمومية.  سبقه يوم الثلاثاء ، وقفة احتجاجية اداها اصحاب الشهايد العليا صدحت فيه حناجر رفاق و رفيقات النضال امام مجلس نواب الشعب، رغم حر الشمس باصوات عالية مطالبة بحقهم في التشغيل و امطرو فيه  عبو بكلام شديد اللهجة.  النابيب البرقوقي اكد  ان هذا قرار برلماني  مهم يجب تنفيذه اعتمادا على ميزانية كانت مخصصة قبل جايحة كورونا لها و كذلك ميزانية سنة 2021 المقبلة . ان ضمان العيش الكريم لكل تونسي اهم ضمانة للتخلص من الارهاب الذي يهددنا في كل يوم ، و الالتفات اكثر الى الملفات الحارقة مثل سن قوانين تحفظ السلم الاجتماعية و توطد اركان العيش المشترك و هي غاية الغايات في اعتقادي.                            

بقلم ياسين فرحاتي – كاتب من تونس.

مواضيع ذات صلة