رؤية في منهج الإصلاح والتنمية في بلادنا…بقلم د. محمد الناصر بن عرب

رؤية في منهج الإصلاح والتنمية في بلادنا…بقلم د. محمد الناصر بن عرب

8 أكتوبر، 18:30

أظن أن ما حل بحياة السيدة نجلاء بودن بعد تكليفها برئاسة الحكومة من طرف رئيس الجمهورية كان أمرا لم يخطر قط على بالها. فهي مديرة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي قامت بعديد البحوث والدراسات العلمية وكانت مكلفة بالجودة في نفس الوزارة وليس لها أي تجربة سياسية لكن رئيس الجمهورية كلفها بهذه المأمورية بعدما أمر بتجميد عمل مجلس النواب ورفع الحصانة عن نوابه وعينها لرئاسة الحكومة لأنها مستقلة غير متحزبة وخاصة لأنها تنتمي إلى النخبة العلمية العقلانية في مجال البحث العلمي. ما يريده الرئيس هو تشكيل حكومة يكون الوزراء فيها تونسيين غير متحزبين مستقلين ذوي الكفاءات اللازمة لإنقاذ الشعب التونسي من الأزمة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة واسترجاع هيبة الدولة.

ولا بدّ لرئاسة الحكومة أن ترسم الخطوط العريضة التي منها تنطلق أهمّ أهداف الإصلاح والتنمية. وفي هذا الإطار أقترح خارطة الطريق الآتية:

-لعلّ لمّ شمل الأطراف السياسية على اختلاف توجهاتهم وأحزابهم والجلوس حول طاولة للحوار أمرٌ ضروري لمناقشة أسباب الفشل الذريع في تغيير الأوضاع المزرية التي يعيشها الشعب التونسي والقصور على الاستجابة إلى تطلعات المواطن والنظر في مدى مسؤولية الأحزاب السياسية والحكومات السابقة في الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي منذ عشر سنوات.

-إنّ إعادة بناء هيبة الدولة على الصعيد الوطني الذي يقتضي المساواة أمام القانون مهما كان المعني بالأمر سواء كان المواطن بسيطا أو مسؤولا أو وزيرا أو رئيس الجمهورية من شأنه تعزيز مبدأ المواطنة الحرّة إذ يقتنع أفراد الشعب أنهم سواسية أمام القانون مما يُوَلّدُ لديهم شعورا بضرورة احترام القانون والالتزام به. وعندما تتحقق هيبة الدولة التي تعني هيبة القانون المجردّة الواضحة فإن سلطة الدولة تصبح سلطة شعبية

بأتم معنى الكلمة فينتقل الوزير وسط الشعب بكل أمان ويكنّ له الشعب كل الاحترام لأنه يحترم القانون وتلك هي هيبة الدولة.أمّا على الصعيد الدولي فهي تعني امتلاكها القوة السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية التي تخول لها الاحترام والاعتبار في المجتمع الدولي وصناعة القرار واتخاذه ولا تكون رهينة لإملاءات الدول الأجنبية.

-لقد تركّزت الأضواء في الفترة الأخيرة على محاربة الفساد واتخذت هذه المهمّة طرائق مختلفة ومتعدّدة غير أنّ الجدير بالذكر أنّ محاربة الفساد في الحقيقة تبدأ من الروضة بتعليم التربية والأخلاق للأطفال. كان تعليم مكارم الاخلاق الإسلامية يبدأ من الصغر بتوظيف الموروث الروحي والعقائدي في إحياء القيم والأخلاق وبما أن مدارسنا لم تنجح في ارتقاء اخلاقياتنا يمكننا أن نستفيد من تجربة اليابان الذي قرر إدماج التربية على الاخلاق في المنهج الدراسي بصورة إجبارية من الصف الأول الابتدائي إلى السادس الابتدائي حيث تدرس مادة اسمها “الطريق إلى الاخلاق” تُعلّم التلميذ قواعد السلوك الفردي للتعامل مع الناس بلياقة وأدب في المجتمع.

 كما يبدو أنّ مراجعة الأجور يمكن أن يقلّص في نسبة الفساد في الدولة، فعلى الدولة إذنرفع المرتبات الشهرية للمدرسين والأطباء والممرضين وأعوان الصحة العاملين في القطاع العمومي وأعوان الأمن على سبيل حفظ كرامتهم.

– فمن الضروري اليوم تكوين لجنة خاصة بالتربية والتعليم لرفع مستوى المعلّم والمتعلّم وتكليف نخبة من التونسيين تلتقي بالمسؤولين على نظام التعليم في فنلندا واليابان الذي يعتبر تعليمهم اليوم من أفضل أنظمة التعليم في العالم.

-وعلى الدولة الحرّة المستقلة الالتزام بتعزيز الشعور بالهوية والانتماء إلى الوطن وذلك بإصدار قانون يدعو إلى تربية الأطفال على احترام العادات والتقاليد والمعتقدات والالتزام بترسيخ اللغة العربية وتعميم استخدامها في المؤسسات العمومية الرسمية والخاصة كما ينصّه الدستور في الفصل 39. وتدريس العلوم باللغة العربية يبقى شرط أساسي لمواكبة الحداثة

والتقدّم كما أن الخلط في حديثنا بين لغة فرنسية رديئة ولغة عربية فصحى رديئة واللهجة العامية يمنعنا عن تعبير واضح شفاف للمتلقي لما نريد أن نفعله وهذا سبب من أسباب تخلفنا.فإعطاء الأولوية للغة الوطنية هو شرط لتقدم أمتنا ورقيها وبقدر ما نتقن لغتنا نحسن إتقان اللغات الأجنبية ولا نرضخ للتبعية.

-يمكن للدولة إعادة النظر في منظومة الضرائب والعمل على إلغاء الضرائب على محدودي الدخل.

-من المهمّ أيضا النظر العاجل في ضعف آليات الرقابة الجبائية التي تعتمدها الدولة لصدّ الاخلالات والنقائص التي تؤدي إلى تراكم الديون الجبائية غير المستخلصة لفائدة الدولة ومكافحة الفساد الذي يشجع التهرّب الضريبي.

-ينبغي على الدولة تشديد العقوبات على المخالفات الاتية في أمر الغش والاحتكار وغلاء الأسعار وذلك بسيطرة الدولة سيطرة دائمة ومستمرة لعرقلة جميع المخالفات وذلك بمراقبة الأسعار مراقبة شديدة في الأسواق وإجبار التجارعلى عرض السعر للسلع وتسليم تذكرة الشراء كما أنّ استيراد البضائع والمواد تحت إشراف وزارة التجارة ومنعها إذا توفرت في السوق الوطنية أمر ضروري لمكافحة الفساد.

-تكوين لجنة خاصة تضم رجال أعمال ومؤسسات مالية وطنية هدفها منع استمرار الديون التي تتراكم على الدولة التونسية وتجعلها رهينة إملاءات مؤسسات مالية دولية.

-تشجيع الاستثمار الوطني في التنمية الاقتصادية للمساهمة في تعزيز مستوى المعيشة والصحة الاقتصادية في تونس وفي زيادة نسبة الإنتاج المحلي حتى يرتفع الناتج المحلي الإجمالي ويوفر توظيف أكبر عدد ممكن من العمال لمقاومة البطالة وتحسين الدخل القومي للأفراد.

-التركيز على قطاع الزراعة والفلاحة وتشجيع الشباب للعمل في هذا القطاع بالحصول على الحق في استغلال الأراضي المهجورة أو التابعة للدولة.

– استقطاب الاستثمار الأجنبي لزيادة تدفق العُملة الأجنبية.

– مقاومة السلطة التي ترتكز على قواعد صارمة لا مجال للنقاش فيها وإلغاء توزيع المسؤولية على عدد كبير من أعوان الإدارة مما يمنع تحقيق مشاريع إنشاء شركات المستثمرين في وقت وجيز.

– تطوير الاقتصاد وتنميته عبر الموارد البشرية ذات التجربة والجودة لتحسين كفاءة ومهارة الافراد العاملين في المجتمع بشكل عام وفي المؤسسات بشكل خاص.

-إنشاء هيئة لِسَنِّ قانون مكافحة الفساد مستقلة عن الشرطة تقوم بالتحقيق في وقائع الفساد في القطاع الخاص والعام على غرار النموذج السنغافوري. نرجو النجاح والتوفيق لرئيسة الحكومة السيدة نجلاء بودن رمضان فيما هو خير ومفيد لشعبنا.

مواضيع ذات صلة